والدين هو الذي يُعرِّف الإنسان: لماذا خُلِق؟ ولماذا كُرِّم وفُضِّل؟ يُعرِّفه بغاية وجوده، ومهمَّته فيه، إنه لم يُخلق عبثًا، ولم يُترك سدًى، إنه خُلِق ليكون خليفة الله في الأرض، يعمرها كما أمر الله، ويُسخِّرها لما يحبُّ الله، يكشف عن مكنوناتها، ويأكل من طيِّباتها، غير طاغٍ على حقِّ غيره، ولا ناسٍ حقَّ ربِّه. وأول حقوق ربِّه عليه: أن يعبده وحده، ولا يُشرك به شيئًا، وأن يعبده بما شرع، على ألسنة رسله، الذين بعثهم إليه هداة معلمين، مبشِّرين ومنذرين، فإذا أدَّى مهمته في هذه الدار المحفوفة بالتكليف والابتلاء، وجد جزاءه هناك في الدار الآخرة: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ﴾ .
بهذا يدرك الإنسان سرَّ وجوده، ويستبين مهمَّته في الحياة، التي بيَّنها له بارئ الكون، وواهب الحياة، وخالق الإنسان.
إن الذي يعيش بغير دين ـ بغير عقيدة في الله والآخرة ـ إنسان شقي محروم حقًّا. إنه في نظر نفسه مخلوق حيواني، لا يفترق عن الحيوانات الكبيرة التي تدبُّ على الأرض من حوله، والتي تعيش وتتمتع ثم تموت وتنفق، بدون أن تعرف لها هدفًا، أو تدرك لحياتها سرًّا، إنه مخلوق صغير تافه لا وزن له ولا قيمة، وُجِد ولا يعرف كيف وُجِد، ولا مَن أوجده؟ ويعيش ولا يدري: لماذا يعيش؟ ويموت ولا يعلم لماذا يموت؟ وماذا بعد الموت؟ إنه في شك ـ بل في عمى ـ من أمره كلِّه: محياه ومماته، مبدئه ومنتهاه، كالذين قال الله فيهم: ﴿ بَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلْمُهُمْ فِى ٱلْـَٔاخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴾ .
وما أقسى حياة إنسان يعيش في جحيم الشكِّ والحيرة أو في ظلمات العمى والجهل، في أخصِّ ما يخصُّه، في حقيقة نفسه، وسرِّ وجوده، وغاية حياته. إنه الشقي التعيس حقًّا، وإن غرق في الذهب والحرير وأسباب الرفاهية والنعيم، وحمل أرقى الشهادات، وتسلَّم أعلى الدرجات !
وفرق كبير بين إنسان كعمر الخيام يقول في حال حيرته وشكِّه: