والعبادة هي كمال الطاعة مع كمال الحب وكمال التعظيم، وهذا لا يكون إلَّا عن معرفة بقدره، ومعرفة بحقه، ومعرفة بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، ولهذا قال مجاهد في تفسير قوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓا أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴾ .
فأراد سبحانه من خلق هذه السماوات الكبرى وهذه الأرض العجيبة: أن يعرفه النَّاس، فإنَّما يُعرف الكائن بأثره وعمله وإبداعه، يعرفون وجود خالقهما ومدبِّرهما، وأنَّه 4 على كلِّ شيء قدير، وأنَّه أحاط بكلِّ شيءٍ علمًا، فخَلْق هذه السماوات والأرض دليلٌ بارز على قدرته على كلِّ شيء، فما كان ليقدر على أعظم الأشياء في نظرنا، ويعجز عن أقلها، وما كان ليعلم أدقَّ ما يخلقه، ثمَّ يجهل ما هو أقلُّ منه في الدقَّة والإتقان، ولهذا قال: ﴿ لِتَعْلَمُوٓا أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴾ .
خلق سبحانه الأكوان ليُعرف بما له من صفات الكمال والجمال والجلال، كما قال تعالى في ختام السورة الَّتي سُمِّيت باسمه «الرحمن»: ﴿ تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلْإِكْرَامِ ﴾ . وقد حدَّثَنا عن بعض صفاته في بداية سورة الرحمن: ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ 1 عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ 2 خَلَقَ ٱلْإِنسَـٰنَ 3 عَلَّمَهُ ٱلْبَيَانَ 4 ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ 5 وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ 6 وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ 7 أَلَّا تَطْغَوْا فِى ٱلْمِيزَانِ 8 وَأَقِيمُوا ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا ٱلْمِيزَانَ 9 ﴾ .