خلق سبحانه الأكوان ليُعرف بما له من صفات الكمال والجمال والجلال، كما قال تعالى في ختام السورة الَّتي سُمِّيت باسمه «الرحمن»: ﴿ تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلْإِكْرَامِ ﴾ . وقد حدَّثَنا عن بعض صفاته في بداية سورة الرحمن: ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ 1 عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ 2 خَلَقَ ٱلْإِنسَـٰنَ 3 عَلَّمَهُ ٱلْبَيَانَ 4 ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ 5 وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ 6 وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ 7 أَلَّا تَطْغَوْا فِى ٱلْمِيزَانِ 8 وَأَقِيمُوا ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا ٱلْمِيزَانَ 9 ﴾ .
أرسل الله محمدًا ﷺ والبشريَّة قد تشعبَّت بهم السبل، وتفرَّقت بهم الطرق، بعيدًا عن الله الحقِّ، واختلفت تصوُّراتهم عن الإلٰه وصفاته، فمنهم من أشرك به غيره، ومنهم مَن زعم حلوله في بشر، وفي غير بشر، ومنهم، ومنهم.
بعثه الله ليُعَرِّف الخلق به، ويدلَّهم عليه، فإذا عرفوه حق المعرفة، علموا أنَّه المستحقُّ للعبادة، وحده لا شريك له، وأنَّ كل ما دونه ومن دونه لا يستحقون عبادة الإنسان، وهم مثله مخلوقون مرزوقون مربوبون.
جاء محمَّد بكتاب من عند الله، يدلُّ البشريَّة على الصراط المستقيم، صراط الَّذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، وأوَّل معالم هذه الطريق: هي معرفة الله الحق بأسمائه وصفاته، فهو رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وثاني هذه المعالم: أنَّه سبحانه المستحقُّ للحمد وحده، والمستحق للدعاء وحده، والمستحقّ للعبادة وحده، لا شريك له من بشر أو حجر، أو شمس أو قمر، أو غير ذلك ممَّا توجَّهت إليه البشريَّة بالعبادة والتقديس، وأنَّ الاستعانة ـ خارج الأسباب المعهودة ـ لا تكون إلَّا به سبحانه.
بُعِثَ محمَّد ليُصحِّح مسيرةَ الأديان قبله، بعد أن عَبَدَتْ غيرَ الله، واتَّخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، واستحالت النصرانية من التوحيد إلى التثليث، واليهودية من التنزيه إلى التشبيه، لذا كان النبي ﷺ يختم رسائله إلى أمراء الأرض وملوكها وأباطرتها، بهذه الآية: ﴿ قُلْ يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍۭ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ .