بُعِثَ محمَّد ليُصحِّح مسيرةَ الأديان قبله، بعد أن عَبَدَتْ غيرَ الله، واتَّخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، واستحالت النصرانية من التوحيد إلى التثليث، واليهودية من التنزيه إلى التشبيه، لذا كان النبي ﷺ يختم رسائله إلى أمراء الأرض وملوكها وأباطرتها، بهذه الآية: ﴿ قُلْ يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍۭ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ .
وهذه المعاني مبثوثة في القرآن كلِّه، لكنَّها أُجملت في أوَّل سورة افتُتِح بها المصحف، وطُلِب من المسلم قراءتُها في كلِّ الصلاة، لتظلَّ باقية في عقله وفكره ووجدانه، وهي سورة الفاتحة: ﴿ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ❁ ﭛ ﭜ ❁ ﭞ ﭟ ﭠ ❁ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ❁ ﭧ ﭨ ﭩ ❁ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ [الفاتحة:1 ـ 7].
هذه السورة الَّتي افترض الله على عباده أن يقرؤوها، وأمر رسولُه أن يكرِّروها في الصلاة، في كل يوم وليلة، سبع عشرة مرَّة على الأقل.
عبادة الرسول ربَّه في شبابه:
لم يكن محمَّد مجرد معلِّم للبشريَّة يعلِّمها كيف تعبد الله، أو مرشد يدلُّهم على سبيل الوصول إليه، بل كان المثل الأعلى والأسوة الحسنة لكل من أراد أن يعبد الله حق العبادة، وأن يتقيه حق التقوى.
وكان محمَّد السابق الأوَّل في طريق الله، الَّذي لا يملك من أراد أن يعبد الله العبادة الحق إلَّا أن يسير خلفه، كما قال تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلَا ٱلْإِيمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِىٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ 52 صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلْأُمُورُ 53 ﴾ .
ليس هذا ادعاء محبٍّ، أو تعصُّب تابعٍ لمتبوعه، بل من يقرأ سيرة محمَّد ﷺ ، الَّتي نقلت أدق تفاصيل حياته، من يقرؤها بتجرد وإنصاف يجدها كلها شاهدة على هذه الدعوى، ناطقة بأنَّ معرفة محمَّد بالله «لا تسبقها معرفة في الأولين والآخرين، لأنَّها معرفة تنبع من شهود لا يخبو سناه، ولا يغيم ضحاه»(1)، وأنَّ الله لم يعبد في الأرض كما عبده محمَّد ﷺ .