وذلك أنَّ النبيَّ ﷺ كانت مهمته ـ بالإضافة إلى تبليغ ما أنزل الله إليه من القرآن، وتلاوة آياته ـ تزكية المؤمنين، والتزكية كلمة تضم معنى الطهارة، ومعنى النماء، فهو يطهِّرهم من الشرك والرذائل، وينمِّيهم بالتوحيد والفضائل، فهي تتضمن التخلية والتحلية ـ كما يقولون ـ وبعبارة أخرى: يربِّيهم التربية العمليَّة المتكاملة المتضمِّنة لحُسن فهم الدين والإيمان به، إيمانًا يدفع إلى العمل به والعمل له، وذلك بالأسوة الحسنة.
ومع هذه التزكية العمليَّة يقوم بتعليمهم الكتاب الإلٰهي المنزَّل، بتفهيمهم معاني آياته، ومقاصد تشريعه، وأسرار توجيهه، وبيان ما غمض عليهم مـنـه، وتفصيل ما أجمل من أوامره ونواهيه وأخباره، حتَّى لا يزيغوا في فهمه أو اتباعه.
كما يعلمهم مع الكتاب «الحكمة» النظريَّة، وتعني: العلم المقترن بأسرار الأحكام وغاياتها، الباعث على العمل، والعمليَّة، وتعني: اتباع أحسن الطرق وأفضل الأساليب في العمل والدعوة والجهاد: ﴿ وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ .
ثم يعلمهم بعد ذلك ما لم يكونوا يعلمون، من أمور الدِّين، وشؤون الحياة، ممَّا يرقى بهم أفرادًا وجماعات في مدارج الكمال.
وهذه الشُّعَب الأربع من مهمته ! هي الَّتي تتكوَّن منها سُنَّته، أو طريقته، أو منهجه، في فهم دين الله تعالى، وتطبيقه، والدعوة إليه كما أمره ربه ﴿ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ﴾ .
وهي الَّتي ذكرها القرآن في سورة البقرة في قوله تعالى: ﴿ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ . وفي معناها آيات ثلاث أُخر، مثل قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ ﴾ .