والأمراء الَّذين خولتهم الأُمَّة وفوضتهم سلطة تنفيذ شرائع الله فيها والتزموا بذلك ولم ينحرفوا عنه.
فطاعة الله تتمثَّل بطاعة كتاب الله تعالى والالتزام التامِّ بمحكمه واتِّباع أوامره، واجتناب نواهيه، والتسليم بمتشابهه، والاعتبار بإخباره، والفهم لسننه، وطاعة رسول الله ﷺ تظهر باتباع أوامره وطاعته التامَّة في حياته، واتباع سُنَّته بعد وفاته ﷺ .
ومنذ ظهور الإسلام والاحتجاج بسُنَّة رسول الله ﷺ قائم كالاحتجاج بكتاب الله تعالى وفقًا لضوابط معروفة لأئمَّةِ المسلمين ومجتهديهم، والمسلمون، كل المسلمين، يعلمون من دين الله بالضرورة العقليَّة والبداهة الفطريَّة حُجِّيَّة السُّنَّة من أقوال وأفعال وتقريرات رسول الله ، في كل ما تعلق بالتبليغ والتشريع والبيان، ولا يسع مؤمنًا بالله ورسله أن يقول بخلاف ذلك، وكيف يسع مسلمًا أن يقول غير ذلك والسُّنَّة دائرة مع القرآن حيث دار تبين مجمله وتفصل مبينه، وتوضح آياته، وتفسر بياناته، وتطبق شرائعه، وقد تخصص ما يبدو أنَّه مفيد للعموم، وتقيد ما يبدو أنَّه مفيد للإطلاق.
ولذلك كانت حجِّيَّة السُّنَّة النبويَّة ضرورة دينيَّة لم ينازع فيها أحد من المسلمين من سلف هذه الأُمَّة. ثمَّ نبتت نابتة كليلة الفهم، قليلة العلم لم تفرق بين السُّنَّة ـ من حيث كونها سُنَّة ثابتة عن رسول الله ﷺ ، ثبوتًا قاطعًا أو ظاهرًا، وبين طرق سنن الماضيين وأخبار الغابرين، ومدى إمكان الاحتجاج بالخبر المنقول عن الأولين، وما مستوى الاحتجاج به؟ وما مرتبته بين وسائل الإدراك الإنساني؟ وهل يقوى على معارضة المحسوس أو المعقول إذا جاء على مناقضته أو لا؟ وقد توهمت تلك النابتة أنَّ النقاش في هذه القضيَّة المنهجية الفلسفية إنَّما هو جدال في حُجِّيَّة السُّنَّة النبويَّة ذاتها، فسحبت كل ذلك الجدل المنهجي الفلسفي إلى دائرة «السُّنَّة النبويَّة» باعتبار أنَّ السنن أحاديث، وأنَّ الأحاديث أخبار، وأنَّ جُلَّ ذلك الجدل إنَّما هو في الأخبار، ولم تلتفت إلى الفروق الكبيرة الهائلة بين السُّنَّة النبويَّة ذاتها من حيث كونها سُنَنًا، وبين طرائق نقلها والإخبار بها من ناحية، كما لم تلتفت إلى الفروق بين مناهج الإخبار عن رسول الله ﷺ ومناهج الإخبار عن سواه، فكانت نتيجة ذلك الخلط أنْ ثار ذلك الجدل العجيب حول حُجِّيَّة السُّنَّة ذاتها، واحتلَّ مساحات واسعة في الدراسات الأصوليَّة والحديثيَّة كان يمكن أنْ تُخَصَّص لمجالات مناهج فهم السُّنَّة وطرائق فهمها، وبيان مناهج استفادة الدروس والعبر منها، ونحو ذلك من دراسات تيسر للمسلمين في كل مكان وزمان كيفيَّة بناء أفكارهم وتصوراتهم وثقافتهم ومناهج حياتهم ومجتمعاتهم وفقا لتوجيهات السُّنَّة والدروس المستفادة منها.