وهكذا نجد كثيرًا ممَّا يتَّصل بالعلم متناثرًا في أبواب كتب الحديث تحت عناوين شتى.. وما على البحَّاث البصير المطلع إلَّا أن يلتقطها من مظانِّها القريبة والبعيدة، ويجمع شتاتها، ويصنِّفها التصنيف الَّذي يوضِّح فكرته، ويحقِّق هدفه.
وهذا هو عملنا في هذا البحث «الرسول وموقفه من العلم»: أن نجمع الأحاديث المقبولة المتناثرة من مختلف المصادر، وبخاصة الأصليَّة منها، ودراستها دراسة علمية موضوعية، لبيان موقف الرسول ﷺ في السُّنَّة والسيرة من «العلم» بمفهومه العام، أو بمفهومه الحديث.
عمدتنا الأحاديث الصحاح والحسان:
وإنَّما قلت «الأحاديث المقبولة»؛ لأنَّ الأحاديث الموضوعة، والتي لا أصل لها، والضعيفة جدًّا، لا يجوز الاستشهاد بها عند أحد من العلماء، ولو كان ذلك في فضائل الأعمال.
أمَّا الأحاديث الضعيفة فقط، فقد أجاز جمهور العلماء الاستفادة منها في فضائل الأعمال، أي: في الأمور التي لا يترتَّب عليها حكم، ولا يؤْخذ منها حلال ولا حرام.
ولهذا نرى الحافظ الفقيه ابن عبد البَرِّ (ت: 463هـ) في كتابه «جامع بيان العلم وفضله» يذكر كثيرًا من الأحاديث الضعيفة ثم يعقِّب عليها بمثل قوله: «والفضائل تروى عن كل أحد، والحجَّة من جهة الإسناد إنَّما تُتَقَصَّى في الأحكام، وفي الحلال والحرام»(1).