ويقول: «إنَّ الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإنَّ العالِم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتَّى الحيتان في الماء، وفضلُ العالِم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر»(1).
فهذه الأحاديث تدلُّ على فضل العلم، وبخاصة العلم بالدِّين، أو على حدِّ تعبير الحديث: الفقه في الدين. والواقع أنَّ الفقه في الدين أخص وأعمق من مجرَّد العلم بالدين، فالعلم معرفة بالظاهر فحسب، والفقه معرفة بالظاهر واللبِّ معًا، والعلم يتصل أكثر ما يتصل بالعقل وحده، والفقه بالعقل والقلب جميعًا.
ولهذا فإنَّ مجرَّد العلم بالأحكام الشرعية الجزئية كأحكام الطهارة والنجاسة والرضاع والطلاق والبيع والشراء كما هو مدلول الفقه في اصطلاح الخلف، لا ينشئ الفقه المراد في الحديث، والذي هو دليل على إرادة الله الخير بصاحبه.
وحسب هذا العلم فضلًا أنَّ مجالسه تحفُّها ملائكة الله، وتنزل عليها السكينة، وتغشاها الرحمة، ويذكرها الله في الملأ الأعلى.
وهذه الملائكة التي تحفُّ مجالس العلم تضع أجنحتها لطالبيه، فالوضع: تواضع وتوقير وتبجيل، والحفُّ: حفظ وحماية وصيانة.