ثم فرصة سنويَّة تتمثل في هذا الشهر الكريم، في هذه المدرسة الَّتي يفتحها الإسلام كلَّ سنة للمسلم، يتعلَّم فيها ويتدرَّب، ويتربَّى على حُسْنِ العبوديَّة لله، على القيام بذكر الله تعالى وشكره، وحُسن عبادته، يتعلَّم فيها الصبر، ويتعلَّم فيها قوَّة الإرادة، يتعلَّم فيها كيف يعامل ربه، وكيف يثقف نفسه، وكيف يستعلي على تراب الأرض، حينما يتطلع إلى روحانية السماء.
إنَّ رمضان تُفتح فيه أبواب الجنَّة، وأبواب الخير، وتُغلق فيه أبواب جهنَّم، وأبواب الشرِّ، وتُصفَّد الشياطين، وينادي المنادي كلَّ يوم: يا باغيَ الخير أقبلْ وأبشرْ، يا طالبَ الخير، أمامَك الفرص متاحة، وأمامك الأبواب مُفتَّحة، أمامك الشهر مَن تقرَّب فيه بنافلةٍ كان كمن أدَّى فريضة في غيره، ومن تقرَّب فيه بفريضةٍ كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه.
شهر تزداد فيه الحسنات، وتُضاعَف فيه أجور الطاعات، شهر مَن استطاع فيه أن يكسب فليكسب، ومن استطاع فيه أن يربح فليربح، والربح هنا ليس درهمًا ولا دينارًا، إنَّه مغفرة وجنَّة، مغفرة من الله للذنوب، وتكفير للخطايا، «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»(1)، «مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه»(2).
معنى «إيمانًا واحتسابًا»:
ومعنى الإيمان والاحتساب: أنَّه لا يصوم لمجرَّد اتِّباع العادة، أو لمجرَّد الخجل من النَّاس، ولا يقوم لمجرَّد أنَّه يفعل كما يفعل غيره، وإنَّما صيامه وقيامه إيمان وتصديق بوعد الله، وطلب للمثوبة والأجر من الله وحده، هذا معنى الإيمان والاحتساب... من صام إيمانًا واحتسابًا خرج بمغفرةٍ لذنوبه، خرج من هذا الشهر كيوم ولدته أمه، وُلد ميلادًا جديدًا، متطهِّرًا متحرِّرًا من الآثام والخطايا.