صحيح أن الغرب قد بلغ مبلغًا عظيمًا في الرقي المادي، وحقق الثورات المعروفة في عالم اليوم: الثورة التكنولوجية، والثورة الإلكترونية، والثورة الفضائية، والثورة البيولوجية، وثورة المعلومات، وثورة الاتصالات، ولكن إنسان الغرب الذي وضع أقدامه على سطح القمر، لم يستطع أن يحقق لنفسه السكينة والسعادة على ظهر الأرض، ولن يجد ذلك إلا في رسالة الإسلام التي تعطيه الإيمان، ولا تحرمه العلم، وتربطه بالآخرة، ولا تحرم عليه الدنيا، وتصله بالسماء ولا تنتزعه من الأرض.
وإنما تؤتي هذا الرسالة أكلها، وتحقق أهدافها العالمية، إذا قدمتها أمة تمثلها بحق، وتجسدها بصدق، علمًا وعملًا، وفكرًا ودستورًا، وخلقًا وسلوكًا.
ولهذا كانت حاجة الأمة المسلمة إلى هذه الرسالة أشد من حاجة الآخرين إليها، وهي أحق بها وأهلها، وهي التي تجعل منها «الأمة الوسط» الشهيدة على البشر، و﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ . وهي وحدها القادرة على حل مشكلات الأمة، والنهوض بها لأداء دورها في العالم، كما هو مطلوب منها.
على أن تختار الأمة الاتجاه الصحيح، الذي يصلح لها، وتصلح له، من بين اتجاهات عدة تنتسب للأسف إلى الإسلام، مثل الاتجاه الاجتراري، والانتحاري، والاعتذاري، والافتخاري، والاحتضاري، والاشتجاري. وقد شرحنا المراد بكل منها.
أما الاتجاه الذي يجب أن تتبناه الأمة، فهو ما سميناه «الاتجاه الحضاري». وهو الذي يقدم الإسلام على أنه رسالة حضارية عالمية متميزة، لها مقوماتها وخصائصها من الشمول والوضوح والتوازن والتكامل والعمق، وهذا الاتجاه هو الذي يدعو إليه شعار الوسطية الإسلامية الذي نؤمن به.