شقاء الإنسان في هذه الحضارة:
ولكن يبقى هنا سؤال في غاية الأهمية، وهو: هل استطاع العلم الذي رفع الإنسان إلى سطح القمر أن يحقق له السعادة على ظهر الأرض؟
الواقع المر يقول: لا. فإن العلم بمفهومه الغربي ـ وهو علم مادي بحت ـ وفر للإنسان راحة الجسم، ولم يوفر له راحة النفس، حقق له الرفاهية المادية، ولم يحقق له السكينة الروحية، هيأ له الوسائل والأدوات. ولم يهيئ له المقاصد والغايات. ولهذا عاش الإنسان مزوق الظاهر، خراب الباطن، أشبه بقبور العظماء، مشيدة مزخرفة، وليس فيها إلا عظام نخرة.
ومن ثم رأينا الناس الذين يعيشون تحت سلطان هذه الحضارة يشكون من القلق والاكتئاب والخوف والأسى واليأس، والغربة النفسية، والشعور بالضياع وتفاهة الحياة، وأنها حياة لا هدف لها ولا رسالة ولا طعم ولا معنى. وهذا يحطم الإنسان من داخله.
ولا غرو أن كثرت العيادات النفسية والعصبية، حتى غدت تعد بالألوف، ومع هذا لا تكفي زائريها، وقلما يجدون عندها ما يشفي عليلًا، أو يروي غليلًا.
إن الناس يشكون في هذه الحضارة من الانحلال الأخلاقي، والقلق النفسي، والتفسخ العائلي، والاضطراب العقلي، والتفكك الاجتماعي، ومن انتشار الجريمة إلى حد يثير الخوف والذعر لدى جماهير الناس(1).