ولذا كانت السُّنَّة ـ القوليَّة والفعليَّة والتقريريَّة ـ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، والمرجع التفصيلي لتوجيه الحياة الإسلاميَّة، وإعطائه النموذج المثالي والعملي للإنسان المسلم، مجسَّدًا في حياة إنسان اصطفاه الله من خلقه، وصنعه على عينه، وجعله أسوة للبشر عامَّة، ولأهل الإيمان خاصَّة، كما قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾ .
حرص المسلمون على حفظ السُّنَّة النبويَّة، وروايتها بعضهم عن بعض، وضربوا لنا أرقامًا قياسية في الرحلة في طلبها وسماعها من أعلى مصدر ممكن لها، حتَّى إنَّ أحد الصحابة سافر من المدينة المنوَّرة إلى مصر ليسمع حديثًا واحدًا من صحابي آخر عرف أنَّه سمعه شفاهًا من رسول الله ﷺ ، فقطع هذه المسافة ليسمعه منه بلا واسطة، فسمعه منه، ثمَّ عاد لتوِّه، وما حل رحله(1).
وقال سعيد بن المسيَّب التابعي الجليل: إنْ كنتُ لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد(2).
لقد بذلوا الجهود المضنية في جمع السُّنَّة، وفي حفظها وتدوينها، وضبط أسانيدها وشرح متونها، أو استنباط الأحكام منها، ونفي الدخيل عنها، وألفت في ذلك الجوامع والسنن والمسانيد والمعاجم والمصنفات والأجزاء، وكتب الجرح والتعديل، وموسوعات الرجال والرواة، المخصصة للثقات والمقبولين، أو للضعفاء والمجروحين، أو الجامعة للصنفين معًا.