والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى دينه، واتِّباع هداه، وتحكيم منهجه في الأرض، وإفراده تعالى بالعبادة والاستعانة والطاعة، والبراءة من كلِّ الطواغيت الَّتي تُطاع من دون الله، وإحقاق ما أحقَّ الله، وإبطال ما أبطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله. وبعبارة مُوجَزة: الدعوة إلى الإسلام خالصًا متكاملًا، غير مَشُوب ولا مجزَّأ.
ومثل هذه الدعوة إلى هذه المعاني ليست بالأمر الهيِّن الَّذي يُقابل بالإغضاء والسكوت، أو الموافقة والقَبول، وكيف تقبل هذه الدعوة العقول الجامدة أو القلوب المريضة، أو القوى المُتَسَلِّطة، أو الفئات الَّتي أضلَّها الهوى أو أغرقها حبُّ الدنيا؟ لهذا كان لا بدَّ لهذه الدعوة العظيمة الشاملة من دعاة أقوياء، يتناسبون مع عظمتها وشمولها، قادرين على أنْ يمدُّوا أَشِعَّة ضيائها في أنفس النَّاس وعقولهم وضمائرهم، بعد أنْ تُشرق بها جوانحُهم هم، وتستضيء بها حياتهم. إنَّ هذا الداعية المنشود هو القوَّة المُحَرِّكة (الموتور) أو (الدينامو) لعمليَّة الدعوة وحركة سيرها.
إنَّ المشتغلين بالتربية والتعليم يقولون بعد دراسة وخبرة ومعاناة:
إنَّ المُعَلِّم هو العمود الفقري في عمليَّة التربية، وهو الَّذي ينفخ فيها الرُّوح، ويُجرِي في عروقها دم الحياة. مع أنَّ في مجال التعليم والتربية عوامل شتَّى، ومؤثِّرات أخرى كثيرة، من المنهج إلى الكتاب، إلى الإدارة، إلى الجوِّ المدرسي، إلى التوجيه أو التفتيش، وكلُّها تؤثِّر في التوجيه والتأثير بنسب متفاوتة، ولكن يظلُّ المُعلِّم هو العصبَ الحيَّ للتعليم.
فماذا يقول المشتغلون بالدعوة والإرشاد في شأن الداعية ومبلغ أثره، وهو العامل الفذُّ، الَّذي ينفرد بالتأثير والتوجيه في عمليَّة الدعوة؟ إذ لا يشاركه في ذلك عادةً منهجٌ موضوع، ولا كتابٌ مقرَّر، ولا جوٌّ، ولا إدارةٌ، ولا توجيه.