واستعمل القرآن الكريم كلمة «الحق» فيما يقابل الباطل والضلال، قال تعالى: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَـٰلُ ﴾ .
قال الطالب:
أحسب أنَّ المفهوم الأخير للحقِّ هو الَّذي يعيننا أنْ نعرفه هنا، وهو الَّذي يحرص كلُّ امرئ على الانتساب إليه ولو لم يكنْ من أهله، ويبرأُ من مقابله ـ وهو الباطل ـ ولو كان في الواقع من أنصاره وحزبه.
قال الأستاذ:
وهذا ما يزيد الأمر تعقيدًا، فإنَّ سائر أهل الباطل يزعمون أنَّهم على الحقِّ، بعضُهم عن جهلٍ وغفلة، وبعضُهم عن عنادٍ ولؤم: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى ٱلْأَرْضِ قَالُوٓا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ . ولكنِّي أضع في يديك مصباحًا يضيء لك معنى الحقِّ.
الحقُّ يا بُنَيَّ ـ كما تهدي إليه الفطرة السليمة ـ هو الأمر الثابت الباقي، والباطل هو الزائل المتغيِّر. فما كان من شأنه الثبات والبقاء فهو «حقٌّ»، وما كان من صفته التلاشي والفناء فهو «الباطل».
وإذا نظرنا إلى الواقع لم نرَ في الموجودات شيئًا يتَّصف بالثبات والبقاء لذاته غير الخالق سبحانه. وكل مَن عداه وما عداه، فليس وجوده لذاته، ولا بقاؤه بنفسه، وإنَّما هو موجود لغيره، وكائن بعد أن لم يكن، وكائن إلى أجل، ثمَّ تُطوى صفحته!
فالحقيقة الناصعة الَّتي تشهد بها الفِطَر والعقول، ويشهد لها كلُّ سطر، بل كلُّ حرفٍ في كتاب الوجود: أنَّ الله هو الحقُّ، وما دونه هو الباطل. وهذا ما أعلن عنه كتاب الله الحقُّ في غير سورة من سوره، فقال: ﴿ فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَـٰلُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ ، ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُۥ يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ، ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلْبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ ﴾ .