فإذا سمعت لهم صوتًا جهيرًا ففي شتم بعضهم بعضًا، وإذا رأيتهم يومًا يتحرَّكون بحماسٍ وقوَّة، ففي قتال بعضهم بعضًا! كأنَّما أرادوا أن يكونوا على النقيض من أصحاب رسولهم الكريم، الَّذين كانوا ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ ﴾ ، ليكونوا هم أشداء على أنفسهم، رحماء بعدوِّهم، أعزَّة على المؤمنين، أذلَّة للكافرين! وكأنَّما أعجبهم من صفات اليهود ما وصفهم الله به من قبل: ﴿ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴾ .
قال صاحبي: ولكنْ أَمَا لهذا الظلام من آخِر؟ أما لهذا الليل من فجر؟ أما آن لهذه الأُمَّة أنْ تعرف غايتها، وتهتدي إلى طريقها؟ أما آن لها أن تجمع كلمتها، لتقتل عدوَّها، بدل أنْ يضرب بعضها رقابَ بعض؟ أما آن أن تذكِّر نفسها بعد أن نَسِيَتْ نفسها؟ أما آن لها أنْ تغسل ذلَّ الانكسار بعزِّ الانتصار؟ أما آن لها أنْ تمحو أيام الهزائم والنكسات السود بيوم أبيض، كيَوْمِ خالدٍ في اليرموك، أو سعدٍ في القادسيَّة، أو عمرٍو في أَجْنَادِينَ، أو طارقٍ في الأندلس، أو صلاح الدِّين في حِطِّينَ، أو قُطُزَ في عَيْن جَالُوتَ، أو محمَّد الفاتح في القُسْطَنْطِينِيَّة؟
قلت له: لا تَيْئَس يا صاحبي؛ فسُنَّة الله أنْ يُعْقِبَ الليلَ الغاسقَ بفَجْرٍ صادق، وأشدُّ ساعات الليل حُلكةً وسوادًا هي السُّوَيْعات الَّتي تسبق بُزوغَ الفجر، ولكنَّ لله في خلقه قوانينَ صارمةً لا تُحابي، وسُننًا ثابتة لا تتبدَّل، ولا بدَّ لنا أنْ نَعِيَها، ونتعاملَ على بصيرة معها، ونُرَكِّز هنا على أَمْرَيْن أساسيَيْن:
رُوح أُمَّتنا الإسلام:
أوَّلًا: إنَّ للأمم روحًا، تحيا به، كما للفرد روح، فإذا فقدت الأُمَّة رُوحها أصبحت أفرادًا بغير رباط، أو بناءً بغير أساس، كما أنَّ الفرد إذا فقد رُوحه أصبح جثَّة بلا حياة. وصدِّقني يا صاحبي إنَّ أُمَّتنا تعيش في زماننا بغير رُوحٍ، أو يراد لها أنْ تعيش بغير روح!