أوَّلًا: إنَّ للأمم روحًا، تحيا به، كما للفرد روح، فإذا فقدت الأُمَّة رُوحها أصبحت أفرادًا بغير رباط، أو بناءً بغير أساس، كما أنَّ الفرد إذا فقد رُوحه أصبح جثَّة بلا حياة. وصدِّقني يا صاحبي إنَّ أُمَّتنا تعيش في زماننا بغير رُوحٍ، أو يراد لها أنْ تعيش بغير روح!
قد تقول لي: ما رُوح أُمَّتنا! ومَنْ ذا يريد لها أنْ تعيش بغير رُوح؟
وأقول بكلِّ صراحة: رُوح أُمَّتِنا هو الإسلام، هو الَّذي أحياها بالأمس من مَوَات، وجمعها من شتات، وهداها من ضلالة، وعلَّمها من جهالة، وأخرجها من الظلمات إلى النور، وجعلها خيرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ للنَّاس.
الإسلام هو الَّذي أنشأ من عُبَّاد الصنم ورعاةِ الغنم رعاةَ الأمم وهداة الظُّلَم، هو الَّذي نثر هذه الأُمَّة بين المشرق والمغرب والشمال والجنوب، يُعلِّمون الكتاب والحكمة، وينشرون العدل والرحمة، ويجمعون النَّاس تحت راية العلم والإيمان، ويُخرجون الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام(1).
الإسلام هو الَّذي أبقى على الأُمَّة في عصور الضعف، حرَّكها لصدِّ الغزو، واستثار قواها ووحدتها لمقاومة الزحف التتري القادم من الشرق، والزحف الصليبيِّ القادم من الغرب. وهو الَّذي كان وراء نصرها على الصليبيِّين في حِطِّين، وعلى التتار في عَيْن جالوت، وهو القادر على أنْ يعيد إليها اليوم حَيَوِيَّتها، ويُوحِّد باسم الله كلمتها، ويفجِّر بالإيمان طاقاتها، فمن أراد لهذه الأُمَّة أنْ تعيش بغير الإسلام، فقد أراد لها أن تحيا بلا رُوح، وأن تكون غُثَاءً كغُثَاء السَّيْل.