ونحن المسلمين نخاف على هذه الحضارة ما يخافه النُقَّاد المخلصون من أهلها؛ لأن ما فيها من خير ينتفع به الجميع، وما فيها من شر خطر على الجميع، ويُهمُّنا أن نستبقي خيرها، وأن نتفادى شرها.
ولن يكون ذلك إلا من خلال الرسالة الحضارية التي يحملها المسلمون للعالَم، وهي رسالة ربَّانية إنسانية أخلاقية، تتميَّز بالتوازن والتكامل، وتهيِّئ الإنسانَ ليقوم بعمارة الأرض وخلافة الله، وعبادته تعالى: بالعلم النافع، والإيمان الصادق، والعمل الصالح، والتواصي بالحقِّ والصبر.
إننا لا نريد أن نهدم الحضارة المعاصرة؛ لأنها ستنهدم على رؤوس الجميع، وإنما نريد أن نحميها من نفسها، وأن نقدِّم لها طوق النجاة من غرقٍ يهدِّدها، ويهدِّد البشرية معها.
إننا وحدنا نملك البديل، وهو الإسلام، الذي بعث الله به جميع رسله، وأنزل به جميع كتبه، وارتضاه الله منهاجًا لجميع خلقه، على أن نُحسن نحن الفهم له، والعمل به، والدعوة إليه، وأن نقدِّمه للناس نموذجًا يُرى، لا كلامًا يُقال، وبذلك نكون الأُمَّة التي أرادها الله بقوله: ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾ ، ﴿ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ (1).
الدوحة في ذو القعدة 1413هـ
أيار (مايو) سنة 1993م