وقضيَّة فِلَسْطين لم تُحَلَّ ولم تقترب من الحلِّ، بل زادت تعقيدًا، نتيجة للحرب الَّتي قادها الثوريُّون العرب في 5 يونيو (حَزِيرَان) (1967م)، وكانت عاقبتها ما نعلم: نكبة أدهى وأمرُّ من النكبة الأولى (1948م)، وبعد تسعةَ عشَرَ عامًا منها مضت في التأهُّب والاستعداد ليوم الثأر، ويوم التحرير، فلمَّا جاء اليوم الموعود، لم نجد وراء الأَكَمَةِ شيئًا، ولم نجد تحت القبة «شَيْخًا» كما يقولون. وصدق على العرب المثل القائل: «أطال الغَيْبة وأتانا بالخَيْبة»!
وهكذا فشلت الثوريَّة اليساريَّة العربيَّة في سنة (1967م)، كما فشلت من قبلها الليبراليَّة اليمينيَّة العربيَّة في سنة (1948م).
وقضيَّة الحُرِّيَّة السياسيَّة في العالم العربي في أزمة آخذةٍ بالخناق، سواءٌ في ذلك البلاد الَّتي تتَّخذ شكل النظام الديمقراطيِّ الدستوري، والبلاد الَّتي تتَّخذ النظام الاشتراكي الثوري، وإن كانت الثانية أشدَّ ضغطًا على الحريَّات وأكثر فتكًا بها ووَأْدًا لها، بناءً على فلسفة الاشتراكيَّة وتراثها العالميِّ في سلب الحُرِّيَّة السياسيَّة باسم الحُرِّيَّة الاجتماعيَّة، وبغير ذلك من المبرِّرات والأسماء الَّتي لا تَعْجِز عن اصطناعها!
وكذلك قضيَّة الرخاء والازدهار الاقتصاديِّ، لم تتمَّ على النحو الَّذي كان مرجوًّا منها، فلا تزال الطبقات الفقيرة في مجتمعنا، تشكو العوز والفاقة وضيق العيش وغلاء الأسعار، وعدم تكافؤ الفرص، وكل الَّذي حدث في بعض البلاد أنْ زالت طبقةٌ مترفَةٌ قديمة، وورثتها طبقةٌ جديدة مثلها أو أسوأ منها.
وهكذا لم تشبع الجماهير من جوع، ولم تأمن من خوف.
أمَّا أمراضنا الأخرى من بَلْبَلَة الفكر، وسوء الأخلاق، وفساد الذمم، وضعف الوازع، واضْطراب الأسرة، وتفكُّك المجتمع، وما شابه ذلك فحدِّث عنه ولا حرج.