وكذلك استعملتُ هنا لفظ «الحتميَّة» مشاكلةً ومقابلةً للَّذين ينادون في عالمنا العربيِّ بما سمَّوه «حتميَّة الحلِّ الاشتراكي».
ولا أعني بحتميَّة شيءٍ ما أنَّه سيقع لا محالة، فإنَّ هذا تهجُّمٌ سخيف على المجهول، لا على الإيمان فحسْب، بل على العلم أيضًا، فعلم القرن العشرين يعرف «الاحتمالات» أكثر ممَّا يعرف «الحتميَّات»، حتَّى نتائج العلوم الطبيعيَّة نفسها غدت في نظر العلم اليوم تقريبيَّة لا يقينيَّة. وهذا ما اعترف به أقطاب العلم أنفسهم(1).
إنَّ قولنا بحتميَّة أمرٍ ما، لا يعني الإخبار بما سيقع حتمًا، بل ما يجب أن يقع، أو بما تدلُّ الظواهر وطبيعة الأشياء والأحداث أنَّه ضروريُّ الوقوع، وهذا هو الَّذي نملكه باعتبارنا بَشرًا نحترم أنفسَنا وعقولنا.
والَّذين يعتنقون مبدأ «الحتميَّة التاريخيَّة»، وينادون بحتميَّة «التطوُّر»، لا ينتظرون حتَّى يأتي التطوُّر، بل يعملون ويكافحون، ويتَّخذون كلَّ الوسائل والأساليب ـ مشروعة وغير مشروعة ـ للوصول إلى مآربهم. فلماذا لا يُرِيحون أنفسهم من مشقَّة العمل حتَّى يُوافيَهم التَّطوُّر المحتوم إن كانوا صادقين؟
فأنا ـ وإن استعملتُ لفظ «الحتميَّة» ـ لا أريد منه ما يريده الماركسيُّون من الحتميَّة التاريخيَّة، فالحتميَّة بهذا التفسير خطأ يخالف الصواب من ناحية، ووهم يخالف الواقع من ناحية أخرى. وقد بيَّنت الأحداث الَّتي وقعت بعد ماركس أنَّ «ماركس» قد أخطأ الحساب، وأنَّ حتميَّاتِه لم تتحقَّق كما ظنَّ، بل وقع ما يخالفها. كما بيَّن ذلك الدارسون للماركسيَّة.