وفي الجانب الآخر، جانب الكفاية وزيادة الإنتاج، لم تزلْ بلادُنا معتمدةً أكبر الاعتماد على الاستيراد في آلات الإنتاج، ووسائل النقل، ومعظم مصنوعات الحضارة، ولم يستطع الليبراليُّون ولا الاشتراكيُّون إقامةَ تصنيعٍ ثقيلٍ مدنيٍّ وحربيٍّ، يُغني الأُمَّة عن الاستيراد، ومدِّ اليد إلى الأقوياء، والتأرجُحِ بين المعسكرات الدوليَّة المتنافسة، بُغية تأمين السلاح، والدفاع عن الحِمَى.
حتى الزراعة الَّتي كانت حرفةَ أجدادنا من آلاف السنين، والَّتي اشتهرت بها بلادنا، حتَّى حاول الاستعمار في وقت ما إفهامنا أنَّنا لا نُحسن غيرها، ولا نملك طاقاتٍ لشيءٍ سواها، حتَّى هذه الزراعة لم نرقَ بها إلى المستوى اللازم لنا، واللائق بنا، كمًّا ونوعًا، وما زلنا نستوردُ القمحَ من خارج أرضنا وإلَّا هلكنا جوعًا. وهكذا نعتمد على غيرنا في جلب الطعام الَّذي به عيشُنا، والسلاح الَّذي نصون به حياتَنا!
لقد فشلت الليبراليَّةُ والاشتراكيَّةُ في الرقيِّ بالمجتمع من التخلُّف إلى التقدُّم، لم تستطع هذه ولا تلك أن تنتقل بالمجتمع من الاعتماد على الغير إلى الاكتفاء بالذات، ومن استيراد مصنوعات الحضارة إلى إنتاجها، ومن شراء السلاح إلى صناعته، ومن «رواية» العلم أو ترجمته إلى المشاركة فيه. هذا مع أنَّ بعض العلم لا يسمح أهله بروايته أو ترجمته؛ لأنَّه من الأسرار.
فشل في مجال الحرِّيَّة والطمأنينة للشعب:
وفشل الحلَّان كلاهما في تحقيق الأمن والطمأنينة والحرِّيَّة الحقيقيَّة للشعب، الَّتي تتمثَّل في حرِّيَّة الفرد في أن يُفكِّر وينقد ويبدي رأيَه فيما يراه من عِوَجٍ وفساد، وفي أن يُندِّد مع غيره بالظلم والطغيان، دون أن يخشى على نفسه من كلاب الصيد الَّتي تختطف الأحرار من بيوتهم، ومن بين أهليهم وأبنائهم في سواد الليل، فتُلقي بهم إلى ظلمات السجون والمعتقلات، بلا محاكمة أصلًا، أو بعد محاكمة صورية، يُرتَّب فيها الحكمُ قبل المحاكمات!