وفشل الحلَّان كلاهما في تحقيق الأمن والطمأنينة والحرِّيَّة الحقيقيَّة للشعب، الَّتي تتمثَّل في حرِّيَّة الفرد في أن يُفكِّر وينقد ويبدي رأيَه فيما يراه من عِوَجٍ وفساد، وفي أن يُندِّد مع غيره بالظلم والطغيان، دون أن يخشى على نفسه من كلاب الصيد الَّتي تختطف الأحرار من بيوتهم، ومن بين أهليهم وأبنائهم في سواد الليل، فتُلقي بهم إلى ظلمات السجون والمعتقلات، بلا محاكمة أصلًا، أو بعد محاكمة صورية، يُرتَّب فيها الحكمُ قبل المحاكمات!
لقد لقي الأحرار من المواطنين السجن والاعتقال، والاضطهاد والتعذيب في كلا العهدين: الديمقراطي والاشتراكي، ولكنْ ـ والحقُّ يقال ـ لا نسبة بين ما حدث في العهد الأوَّل والعهد الآخر، لا في الكمِّ ولا في الكيف. حتَّى إنَّ الَّذين جرَّبوا الاضطهاد في العهدَيْن، يعتبرون أنَّ المنافيَ والمعتقلات الَّتي عانَوْها في العهد السابق ـ وطالما شكَوْا من ظلمها وظلامها ـ كانت جنَّةً فيحاءَ بالنسبة إلى معتقلات العهد الثاني وسجونه ومنافيه.
فشل في المجال العسكري:
لقد فشل الحلَّان الليبرالي والاشتراكي في تحقيق نصر عسكري في قضيَّة العرب والمسلمين الأولى: قضيَّة فِلَسْطِين، أولى القِبْلَتَيْن، وثالث الحرمين. فشلت الديمقراطيَّة فشلًا تجسَّد في هزيمة الجيوش العربيَّة في سنة 1948م، وقيام دولة «إسرائيل» ـ المزعومة كما كنَّا نُسَمِّيها لعدَّة سنوات ـ وتشريد مليون مواطن من شعب فِلَسْطِين، وتحويلهم إلى لاجئين.
ثم بعد تسعة عشر عامًا، وبعد تحوُّل عددٍ غير هيِّن من الدول العربيَّة إلى الاشتراكيَّة الثوريَّة، وبعد الإعداد والتجهيز للحرب، وشراء السلاح بمئات الملايين من عَرَق الشعب، واستقدام الخبراء، وإطلاق الحناجر بالجعجعة والوعيد، وبعد أن أصبح العسكريُّون هم القادة السياسيِّين أيضًا. فشلت الاشتراكيَّة اليساريَّة فشلًا أنكى وأقسى من فشل سابقتها؛ فقد جاء بعدَ آمالٍ عِراض، وأحلامٍ عِذاب، وبعد تصريحاتٍ ناريَّة، وتهديدات عنتريَّة(1) ـ ومعذرة لعنترة! ـ وقد تجسَّم هذا الفشل في هزيمة يونيو (حَزِيرَان) سنة 1967م، ثمَّ ضمَّت إلى هذا الفشل العسكري كبيرتَيْن من كبائر الخطايا: