ولكنِّي لا أنكر أنَّ هنالك قُوًى معادية لانتصار الإسلام، وعودته إلى قيادة المجتمع، استغلَّت هذه الظاهرة بخبثٍ ودهاء، وحرصت على تغذيتها لتكبُر وتنمو، ورمت لها بالوقود لتظلَّ متأجِّجة ملتهِبة؛ وهي بذلك تكسب جملة فوائد منها:
1 ـ تنفير جماهير النَّاس من ظهور الإسلام نظامًا حاكمًا للحياة، ما دام الَّذين يدعون إليه ويجسدون صحوته، يتبنَّون التشديد والتضييق، وتحجير ما وسَّع الله، وتعسير ما يسَّر على عباده. على عكس ما قاله النبيُّ ﷺ لأصحابه: «إنَّما بُعثتم مُيَسِّرين، ولم تبعثوا مُعَسِّرين»(1). وبذلك ينعزل الجمهور ـ الَّذي ينشد اليُسر ويكره العُسر ـ عن الصحوة، بل قد يقف منها موقف الجفاء أو الخصام، وفي هذا خسارة كبرى.
2 ـ شغل جيل الشباب الَّذي يُمَثِّل العمود الفقري للصَّحوة الإسلاميَّة، بالمسائل الجزئيَّة والقضايا الجانبيَّة، وتبديد جهوده الفِكْرِيَّة، وطاقاته العمليَّة، في الدعوة بحرارة لهذه الفرعيَّات، والمجادلة عنها والمخاصمة عليها، وإلهاؤه عن القضايا المصيريَّة الكبرى، الَّتي تتَّصل ببقاء الإسلام، وسيادة أُمَّته، وتحرير أوطانه، وتحكيم شريعته في الأرض.
3 ـ شغل القوى الإسلاميَّة المتحرِّكة بعضها ببعض، فبدل أنْ توجِّه حركتَها الصاعدة إلى عدوِّها المشترك، تتصارع فيما بينها، وتتراشق بالتُّهم، حتَّى يصل الأمر إلى حدِّ التأثيم، بل التكفير. وبهذا يهدم بعضُها بعضًا، ويُخْرِبُون بيوتَهم بأيديهم! والعدوُّ المتربِّص يقف متفرجًا قرير العين بما يرى. ولا مانع عند اللزوم أنْ يتدخَّل ليجهز على البقيَّة الباقية.
4 ـ إعطاء السلطات المتربِّصة بالدعوة الإسلاميَّة ـ الَّتي تتوجَّس منها خِيفَة أو تُضْمر لها كرهًا ـ مُبَرِّرًا لضرب التحرُّك الإسلامي، والعمل الإسلامي كلِّه، السويِّ منه والشاذِّ، تحت مظلَّة محاربة «التطرُّف» ومقاومة «المتطرِّفين»!