ونعني بالحضارة المعاصرة، الحضارة الغربية التي تسود العالم في هذا العصر، وإن كان يحلو لبعض الناس أن يصفها بالحضارة العالمية، أو الكونية ! والواقع أنها حضارة غربية، غربية الجذور والنشأة، غربية الفلسفة والأفكار والتوجُّه، وإن كانت عالمية من حيث إنها بسطت سلطانها على العالم، وانتشرت في كلِّ مكان، هي في الحقيقة ـ إن أردنا الإنصاف وردَّ الأمور إلى أصولها ونسبة كلِّ شيء إلى أهله نسبه الصحيح ـ هي حضارة غربية.
لهذه الحضارة الغربية أصول ومكوِّنات أثَّرت فيها، وجعلت لها شخصيَّتها المتميِّزة، كان هناك حضارات سبقتها؛ الحضارة اليونانية، والحضارة الرومانية، وأبرزها الحضارة الإسلامية التي سبقت الحضارة الغربية الحالية، سبقتها بعدَّة قرون، وورثتها هذه الحضارة المعاصرة.
خصائص الحضارة الإسلامية:
حضارتنا الإسلامية كانت لها خصائص معيَّنة: فهي حضارة جمعت بين الروحية والمادية، بين الربانية والإنسانية، بين الفردية والجماعية، بين المثالية والواقعية، بين الحرية والمسؤولية، بين الواجبات والحقوق، بين العالمية والمحلية. بين المتقابلات التي يظنُّ كثير من الناس أن التقاءها ضرب من المستحيل، ولكن الحضارة الإسلامية وازنت بينها، فوصلت الأرض بالسماء، ووصلت الدنيا بالآخرة، وربطت المخلوق بالخالق.
هذه الحضارة المتميِّزة، التي سادت العالم لعدَّة قرون هي حضارتنا.
كانت حضارتنا الإسلامية هي الحضارة الوحيدة في العالم، كانت اللغة العربية هي لغة هذه الحضارة، اللغة التي يحسب بعض الناس الآن أنها عاجزة أن تستوعب العلوم، أو تكتب بها العلوم، كانت هي لغة العلم في العالم كلِّه، وكانت الجامعات الإسلامية هي المراكز التي يَفِد إليها الطلاب من أنحاء العالم. والكتب الإسلامية العلمية هي مراجع الباحثين والدارسين في أنحاء العالم، لو نظرنا إلى علم كالطبِّ، ماذا كان يعرف الناس من علم الطب، وإلى أيِّ مراجع كانوا يرجعون، إلى «القانون» لابن سينا، أو «الكليَّات» لابن رشد، أو «الحاوي» لأبي بكر الرازي، أو «التصريف لمن عجز عن التأليف» للزهراوي، إلخ.