***
1
***
الحاجة إلى الدعوة
1
فأمَّا الحاجة إلى الدعوة، فقد كانت حاجة ماسَّة، بل كانت ضرورة ملحَّة: أنْ تقوم في الأُمَّة عامَّة، وفي مصر خاصَّة: دعوة جديدة، تبني ما هدمه الاستعمار، وتصلح ما أفسده الحكام، وتنقي الحياة ممَّا لوَّثتها به عصور الانحطاط، وتقاوم ما يخطِّط له أعداء الإسلام.
كان النَّاس في حاجة إلى دعوة تُجدِّد العقول بالمعرفة الواعية، وتُجدِّد القلوب بالإيمان الدافق، وتُجدِّد الحياة بالالتزام الصادق، وتقف بالمرصاد للأفكار الهدَّامة، والدعوات المنحرفة، والهيئات المضلِّلة، الَّتي تغزو العقول بالشبهات، وتغزو النفوس بالشهوات.
كان الإسلام في حاجة إلى دعوة تملأ الساحة، وتسدُّ الثغرة، وتُعَبِّئ الأُمَّة.
ولم يكن فيمن يمثِّلون الإسلام في ذلك الزمن من يقدر على القيام بهذه المهمة.
فعلماء الأزهر كانوا مشغولين بقضايا داخليَّة، وكانت السلطة الحاكمة قد ورثت من عهد الاستعمار: أنْ تعزل الأزهر عن التأثير في الحياة، وأنْ تضيِّق على علمائه وأبنائه، حتَّى تلهيهم لقمة العيش عن هموم الدعوة إلى الدين، وقضايا الأُمَّة المصيريَّة. وتحاول أنْ تشغلهم عن الإصلاح بقضايا جزئيَّة، وتجتهد أنْ تشغل بعضهم ببعض.