ولهذا أرى لزامًا عليَّ أنْ أمسك بالقلم، لأكتب هذه الصحائف، لأجلوَ الغبار عن وجه الدعوة الإخوانيَّة، وألقي بعض الضوء على حقيقة أهدافها ومناهجها، ومقوماتها وخصائصها، وأعطي بعض الإشارات واللمحات عن سيرتها ومسيرتها، وعن ثمراتها وآثارها، وعن معاناتها ومحنها، وأردَّ على التهم الموجهة إليها، مركِّزًا على موقف مؤسس الحركة الإمام الشهيد حسن البنَّا مستشهدًا بكلماته، وناقلًا من رسائله، بشكل أساسي، باعتبارها «المنهاج الرسمي» للإخوان، الَّذي ارتضوه، وانضمُّوا للجماعة على ضوء توجُّهاته وتوجيهاته، «وربَّما أطيل النقل أحيانًا ـ على غير ما يوصي به الأكاديميُّون ـ لمزيد البيان والتوثيق»، وإنْ كان المصدر الأوَّل للحركة من غير شكٍّ هو القرآن والسُّنَّة، ولهذا كان من شعار الجماعة: القرآن دستورنا، والرسول زعيمنا.
وكان من أصول الجماعة الَّتي ذكرها الشهيد البنَّا: كلُّ أحدٍ يؤخذ من كلامه ويُترك إلَّا المعصوم ﷺ .
ولكنَّ «حركة الإخوان» بعد سبعين عامًا أصبحت أوسع من رسائل الإمام البنَّا وتراثه، إنَّما هي كلُّ التراث الفكري والعملي والجهادي التراكمي للتيار الإسلامي الكبير، الَّذي مضى في طريق حسن البنَّا واستمدَّ منه، وأضاف إليه وربَّما عدَّل منه في بعض الأحيان.
وحديثي عن حركة الإخوان هنا ليس حديث المؤرِّخ المستوعِب، فلستُ أزعم أنِّي أملك الأدوات اللازمة لذلك، ولا الوقت الكافي له، وإنَّما هو حديث موجز بعض الإيجاز، يجيب عن بعض التساؤلات، ويضع بعض النقاط على بعض الحروف، من امرئٍ عاش في الإخوان، وعايَش الأحداث، وخاض غمار المحن في عهد المَلَكِيَّة وعهد الثورة، مع إخوانه الَّذين صبروا وصابروا ولم يزدهم الابتلاء إلَّا ثباتًا وإيمانًا: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا ٱسْتَكَانُوا ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ 146 وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِىٓ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ 147 ﴾ .