والعارفون بأمراض القلوب وآفات النفوس يعلمون أنَّ من أخطر ما يتعرَّض له المشتغلون بالدعوة: الافتتان بالشهرة، والتطلُّع إلى الصدارة وحبِّ الظهور والزعامة. ولهذا حذَّر الرسول الكريم من حُبِّ الجاه والمال، ومن الشِّرْك الخفيِّ، وهو الرياء. ونوَّه القرآن والسُّنَّة بالمخلصين الَّذين يعملون ما يعملون «ابتغاء وجه الله»، لا يريدون من أحد جزاءً ولا شكورًا. وأشاد الرسول بالمسلم الإيجابي الصامت، الَّذي يؤدِّي واجبه وهو غامض في النَّاس، لا يشار إليه بالأصابع، وقال: «رُبَّ أشعثَ أغبر، ذي طِمْرين لا يؤْبَهُ له، لو أقسم على الله لأبرَّه»(1). و«طوبى لعبدٍ آخِذٍ بعِنان فرسه في سبيل الله، أشعثَ رأسُه مغبَرَّةٍ قدماه، إنْ كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة»(2). ورحم الله خالدًا سيف الله، الَّذي عمل قائدًا فأحسن، وعمل جنديًّا فما فرَّط ولا قصَّر.
وقد أكَّد الإخوان في تربيتهم هذه المعاني، وحذَّروا كل التحذير من حُبِّ الظهور الَّذي طالما قصم الظهور.
لقد كان من ثمرات هذه التربية أن ظهر في الجماعة كثير من الجنود المجهولين، أو كما سمَّاهم الحديث النبوي: «الأبرار الأتقياء الأخفياء، الَّذين إن غابوا لم يُفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا»(3)، وأن وجدنا رجالًًا فيهم قبس من الأنصار: يكثُرون عند الفزع، ويقِلُّون عند الطمع(4).
كم من رجال بذلوا من أموالهم وأنفسهم دون أن يذكروا أسماءهم، أو يقرعوا الطبول لأشخاصهم، وكم من شباب قاتلوا في فلسطين والقناة، وقدَّموا من روائع البطولات، دون أن يلتمسوا من أحد جزاءً أو شكورًا، ودون أن يُعلنوا عن أنفسهم، أو يذكروا ما صنعوه خشية أنْ يَحبَط عملهم بالعُجْب أو الغرور!