وشاء الله الَّذي تكفَّل بحفظ القرآن، وبقاء الإسلام، وإظهاره على الدِّين كلِّه، أنْ يجدِّد لهذا الدين شبابه، ويعيد لجسد هذه الأُمَّة الهامد رُوحه وحياته من جديد. فكانت دعوة الإخوان المسلمين، وكان حسن البنَّا مؤسِّس هذه الحركة «الكبرى»، الَّتي مضى عليها خمسون عامًا(1)، تركت فيها «بصمات» وآثارًا في كلِّ مجال، وفي كلِّ مكان، داخلَ العالَم الإسلامي وخارجه.
ولستُ أكتب هذه الصحائف مؤرِّخًا لحركة الإخوان ومبلغ تأثيرها في الحياة المصريَّة والعربيَّة والإسلاميَّة، فهذا جهد ينوء به فرد، مهما تكن قدرته ووسائله. وإنَّما هو واجب الجماعة الَّذي فرَّطت فيه حتَّى اليوم، وإن كانت الضربات المتلاحقة الَّتي أصابت الجماعة في كل العهود، تجعل لها بعض العُذر لا كُلَّه.
إنَّما أكتب هنا عن جانب واحد من جوانب هذه الحركة الضخمة، وهو: جانب التربية، كما فهمه الإخوان من الإسلام، وكما طبَّقوه.
ولست أحاول هنا الاستقصاء والإحاطة، وإنَّما أكتفي بإبراز المعْلَم، وإعطاء الملامح، الَّتي تكفي لإيضاح فكرة الجماعة عن التربية وجهودها في ممارستها، ونقلها إلى واقع حيٍّ يتمثَّل في بشر أحياء.
ولا يخفى على دارس أو مراقب أنَّ حركة الإخوان تُمَثِّل ـ في الدرجة الأولى ـ مدرسة نموذجيَّة ناجحة للتربية الإسلاميَّة الحقَّة، وأنَّ أهمَّ ما حقَّقته هو تكوين جيل مسلم جديد، يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، ويؤمن به إيمانًا عميقًا، ويعمل به في نفسه وأهله ويجاهد لإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته، وتوحيد أُمَّته.