ولا أعني بهذا أنْ أقول: إنَّ التاريخ الإسلامي تاريخ ملائكة مطهَّرين، أو أنبياء معصومين، لا خطايا فيه ولا أخطاء، كما يفهم من كلام بعض المتحمِّسين الَّذين يتحدَّثون عن تاريخ الإسلام بعاطفة المُحِبِّ، لا بعقل الباحث. فهذا ما لا يقوله عاقل، فضلًا عن أنْ يقوله عالم. فالمسلمون كغيرهم من النَّاس يُصيبون ويخطئون، ويستقيمون وينحرفون، ويعدلون ويظلمون، ولكنْ ينبغي أنْ نحكم على التاريخ بمجموع أحداثه ووقائعه، وبكلِّ فئاته وطبقاته، وبجميع أقطاره وأمصاره، وبالمقارنة بينه وبين غيره من تواريخ الأمم في عصره. وهنا نجد تاريخنا يتميَّز ويتفوَّق على كلِّ تواريخ الأمم في تلك العصور.
حتَّى العصور الَّتي كان يَعُدُّها الغربيُّون عندهم «عصور الظلام»، والَّتي يُسَمُّونها العصور الوسطى؛ كانت عندنا عصور النور والعلم والحضارة والإبداع. وقد اقتبست منها أوربا جملة من أصول نهضتها.
ومن توفيق الله لي: أنِّي دافعت عن تاريخنا الإسلامي، الَّذي ظلمه أهله، في كثيرٍ ممَّا كتبتُ، ولا سيَّما في كتابي «شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كلِّ زمان ومكان»(1)، وكتابي «الإسلام والعِلمانيَّة وجهًا لوجه»(2)، وكتابي «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي»(3).
إنَّ التاريخ هو ذاكرة الأُمَّة، وأعداء الأُمَّة يريدون أنْ يمحوا ذاكرتنا التَّاريخيَّة، بحيث ننفصل عن ماضينا وننسى أمجادنا، ونُهيل التراب على تراثنا وحضارتنا، ونبدأ من الصِّفْر، مثل الأمم الَّتي لا تاريخ لها. فإذا لم يستطيعوا محو ذاكرتنا: سعوا إلى إفسادها، فحشوها بمعلومات خاطئة، أو مقلوبة، أو مزوَّرة، عن رسالة الأُمَّة وحضارتها وتاريخها ورجالها وتراثها. وبهذا تنخلع الأُمَّة من جذورها، ويلعن آخرها أوَّلها، وتمسي أُمَّة بلا جذورٍ ولا أعماقٍ.
إنَّ تاريخ كل أُمَّة مادة أصيلة في تربيتها لأبنائها، ولا سيَّما إذا كانت أُمَّة ذات تاريخٍ عريقٍ ومَجيد، وكان لها دورها ورسالتها وأثرها في العالم. على أنَّ الواجب على الأمة أنْ تتعلَّم من مآثرها وأمجادها التَّاريخيَّة، كما تتعلَّم من أخطائها ونقاط ضعفها.