إنَّ تاريخ كل أُمَّة مادة أصيلة في تربيتها لأبنائها، ولا سيَّما إذا كانت أُمَّة ذات تاريخٍ عريقٍ ومَجيد، وكان لها دورها ورسالتها وأثرها في العالم. على أنَّ الواجب على الأمة أنْ تتعلَّم من مآثرها وأمجادها التَّاريخيَّة، كما تتعلَّم من أخطائها ونقاط ضعفها.
لهذا رأيتُ أنْ أتصدَّى للإجابة عن هذا السؤال الكبير عن تاريخنا وحضارتنا، الَّذي أقلق الكثيرين، وحيَّرهم، وأعني بتاريخنا تاريخ الإسلام وأُمَّته الوسط الَّتي جعلها الله شهيدة على الناس. وذلك ليصدر في بحثٍ مستقلٍّ، مستفيدًا ممَّا كتبته من قبل، وما كتبه المُحَقِّقون والمُنْصِفون والمُعْتَدلون، مُنْصِفًا تاريخنا وحضارتنا الثريَّة المعطاءة ممَّن قسَوْا عليهما وظلموهما، أو افتروا عليهما بغير حقٍّ.
وأنا لست مؤرِّخًا، ولكنِّي عالم يُحسُّ بأهمية التاريخ، وضرورة تمحيصه وتوظيفه في إيقاظ الشعوب، وتحريك الهمم، وقد عددت «الثقافة التَّاريخيَّة» إحدى الثقافات الستِّ الأساسيَّة، الَّتي يجب أنْ يتسلَّح بها الداعية المسلم المعاصر، وذلك في كتابي «ثقافة الداعية»، وقد أرشدت في هذا الكتاب إلى تنبيهاتٍ مهمَّة في قراءة التاريخ، ينبغي لكلِّ داعية بصير أنْ يضعها نُصْبَ عَيْنَيْه(1).
وقد كان كبار علماء الأُمَّة من المفسِّرين والمحدِّثين والفقهاء مَعْنِيِّين بالتاريخ، وصنَّفوا فيه، مثل الطبري وأبي نُعيم والخطيب وابن الجوزي وابن كثير والذَّهْبي وابن حَجَر والسُّيُوطي وغيرهم.
هذا، وقد قسمت هذه الدراسة بعد المقدِّمة إلى خمسة أبواب:
الأوَّل: عن جَوْر العِلمانيِّين على التاريخ الإسلامي، وتحريفهم له، ومساعدة بعض الدُّعاة في ذلك.