وأبدأ هنا بالردِّ الإجمالي على هذه الدعوى، الَّتي ظلمت أُمَّة كاملة، وظلمت تاريخًا حافلًا، وظلمت حضارة أضاءت بها الدنيا قرونًا مديدة. ثمَّ نرد عليها ردًّا مُفَصَّلًا، ينصف الأُمَّة، وينصف شريعتها، وينصف حضارتها وإنجازاتها، وينصف تاريخها وصُنَّاعه في كلِّ مَيْدان من ميادين العلم والدعوة والأدب والثقافة والفنون والعمران والجهاد بشتَّى ألوانه وأنواعه. ونبدأ ببيان الأغلاط والمغالطات الَّتي تتضمَّنها هذه الدعوى الظالمة.
أغلاط أو مغالطات ثلاث في هذه الدعوى:
إنَّ هذا القول ينطوي على أغلاط أو مغالطات شتَّى، نذكر منها ثلاثًا:
1 ـ اختزال عهد الراشدين إلى عهد عمر فقط:
أوَّل هذه الأغلاط أو المغالطات، هو اختزال عهد الراشدين كلِّه إلى عهد عمر 3 وحده، متجاهلين عهد أبي بكر 3 ، وما فيه من إنجازات هائلة، رغم قصره، فقد حارب المرتدِّين ومانعي الزكاة، وأعادهم إلى حظيرة الإسلام، وحفظ للفقراء حقوقهم، وكانت دولته أوَّل دولة في التاريخ تشنُّ الحرب، وتُجَيِّش الجيوش من أجل حقوق الفقراء، وقد قال في ذلك قولته الشهيرة: والله لو منعوني عِقالًا كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله لقاتلتُهم عليه(1).
وهو الَّذي بدأ الفتوح الإسلاميَّة في حربه مع فارس والروم، وقد لحق بربِّه ومعركة «اليرموك» مع إمبراطوريَّة الرُّوم قائمة.
وهو الَّذي أرسى مبادئ أخلاقيَّة في الحرب استمدَّها من كتاب الله ومن سُنَّة رسوله، فأوصى ألَّا يقتل الرهبان، وأن يُتركوا وما فرَّغوا أنفسهم له من التعبُّد(2)، وهو الَّذي أنكر أن يُنقل إليه رأسُ مقتولٍ من الأعداء، وقال: لا يُنْقَل إليَّ رأسٌ بعد اليوم(3).