وقلتُ للدكتور شوقي وزملائه من الأطبَّاء: للأسف ما قلتموه هو الشائع على الألسنة والأقلام، ولقد سمعتُ كثيرًا منه فيما يقال، وقرأتُ كثيرًا منه فيما يُكْتَب، ومن كثرة تَكراره صدَّقه النَّاس، واعتقده الكثيرون حقًّا.
بل أكثر من ذلك: أنَّ بعض النَّاس يَعُدُّون الدولة الإسلاميَّة بعد عصر الراشدين قد انحرفت عن الإسلام، وأصبحت «مُلكًا عضوضًا» أو «ملكًا جبريًّا» يقوم على القهر والجبروت، ولا صلة له بشريعة الإسلام. وبعض الكتاب المتديِّنين وقعوا في الشَّرَك، وحملوا على بني أُمَيَّة حملةً شعواء، حتَّى جرَّدوها من التقيُّد بدِين أو خُلُق، وبعضهم قال: إنَّها كانت دولة عربيَّة، لا دولة إسلاميَّة. وهو غلوٌّ لا دليلَ عليه، وينافي حقائق الدِّين وحقائق التاريخ.
وجدنا من يقول: إنَّ الإسلام لم يُطبَّق إلَّا في عهد الراشدين، ولكنْ إذا حلَّلنا عهد الراشدين: نجد عهد أبي بكر عهدًا قصيرًا، اشتغل فيه بمحاربة المُرْتَدِّين ومانعي الزكاة، وعهد عثمان عهد فتن داخليَّة انتهت بقتله، وعهد عليٍّ عهدُ حروب أهليَّة بين المسلمين بعضهم وبعض. فلم يبقَ إلَّا عهد عمر، وعمر كان «فَلْتَة» لا تتكرَّر!
واستنبطوا من هذا الكلام: أنَّ شريعة الإسلام «فكرة مثاليَّة» لم تُطَبَّق في التاريخ، ولا يمكن أنْ تُطَبَّق في الواقع.
والعجيب أنَّ هذا الكلام قاله رجل مثل الشيخ خالد محمَّد خالد في كتابه المعروف «من هنا نبدأ»(1)! وأعجبُ كيف يصدر هذا من مثله، وهو من علماء الأزهر! لأنَّه يحمل اتِّهامًا لربِّ هذا الدِّين والموحي بشريعته إلى رسوله: أنَّه كلَّف النَّاس ما لا يُطِيقون! وألزمهم بشريعةٍ غير قابلة للتطبيق، وهو الحَكَم العدل والعليم الحكيم!