وإمام الحَرَمَيْن الَّذي نحتفي اليوم به في جامعة قطر ـ بمناسبة مرور ألف عامٍ على مولده ـ قد عُنِي به أهل التراجم؛ لطُول باعه في العلم، وسَعة المساحة الَّتي أثَّر فيها، وكثرة الَّذين استفادوا منه، وتميُّز شخصيته في عصره وما بعد عصره، في علوم جمعت بين العقل والنقل، مثل: علم الكلام، وأصول الفقه، والفقه، والخلاف.
وإذا كان أبو الطيب المتنبِّي قد قيل عنه: رجل ملأ الدنيا وشغل الناس؛ فكذلك إمام الحَرَمَيْن، بيْدَ أنَّ المتنبِّي شغلهم في مَيْدان الشعر والأدب، وإمام الحَرَمَيْن شغلهم في ميدان العلم والفكر.
ولقد أحال مُحقِّق «سير أعلام النبلاء» للذهبي في هامش ترجمة إمام الحَرَمَيْن على أكثر من ثلاثين مرجعًا تحدَّثت عن الرجل، منها المُسْهب، ومنها المقتصد، ومنها المقتصر(1).
ولكنِّي في هذه العُجالة سأكتفي بالتركيز على ترجمتين، أعتقد أنَّهما متميزتان لهذا الإمام، وإنما اخترتهما لتبايُنهما في الاتجاه والموقف من هذا الإمام الكبير.
أما الأولى: فهي ترجمة «مؤرخ الإسلام» الحافظ شمس الدين الذهبي (ت: 748هـ) صاحب التصانيف والموسوعات في علم الرجال والتاريخ، وذلك في كتابه «سير أعلام النبلاء».
والثانية: ترجمة العلَّامة المتكلِّم الفقيه الشافعي تاج الدين السُّبْكي (ت: 771هـ) الَّذي علَّق بعنف على ترجمة الذهبي، وذلك في كتابه: «طبقات الشافعيَّة الكبرى».