( أمَّا بعد )
فهذه صحائف كتبتها للملتقى الفكري الَّذي دعت إليه جمعيَّة علماء المسلمين في الجزائر، لإحياء ذكرى الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي، علَّامةِ الجزائر، ولسانِها الناطقِ بالحقِّ، وسيفِها القاطعِ لعُنق الباطل، وقلبِها النابضِ بحرارة الإيمان، ونَجْمِها الثاقبِ الَّذي يهدي الحائرين، ويَنْقَضُّ رجمًا للشياطين.
وذلك بمناسبة مرور أربعين سنة على وفاته 5 ، وتقبَّله في الصالحين، والأئمَّة العاملين الصادقين.
وشكر الله لجمعيَّة العلماء ما صنعت، فهذا ما يُوجبه الوفاء والعرفان بالجميل، وبِرُّ الأبناء للآباء، وتقدير الأخلاف للأسلاف، وبناء اللاحق على ما أسَّسه السابق، وبهذا تتواصل الأجيال، ويُكمل بعضها بعضًا، فالأُمَّة في أجيالها المختلفة سلسلةٌ متكاملة الحلقات، يتَّصل بعضُها ببعض، ويستفيد بعضها من بعض، ويدعو المتأخِّر للمتقدِّم، على نحو ما علَّمنا القرآن بعد أنْ حدَّثنا عن المهاجرين والأنصار، ثمَّ قال: ﴿ وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَـٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ .
ولقد لقيتُ العلَّامة الإبراهيمي مرَّةً واحدةً في القاهرة، واستمعتُ إليه وأُعجبتُ به، كما أُعجب به كلُّ من شَهِده وسمعه.
وقد كان الشيخ إذا تحدَّث يتدفَّق كأنه البحر الثجَّاج، ويتألَّق كأنه السِّرَاج الوهَّاج، وأشهد أنه شَدَّ الحاضرين جميعًا بيانُه الناصع، وخطابه الرائع، وسَعةُ اطِّلاعه على الأدب والتاريخ، واستشهاده بحِكَم البلغاء، وروائع الشعراء، ووقائع المؤرِّخين.