ومنهم المُفَكِّر الملتزم بفلسفة عقليَّة معيَّنة يُفَكِّر في إطارها، ويدور حول محورها. ومن هنا نجد في عصرنا المُفَكِّر الماركسي، والمُفَكِّر الوجودي، والمُفَكِّر المسيحيَّ إلخ، كما نجد المُفَكِّرَ الإسلاميَّ.
وقد فقد عالمنا الإسلاميُّ في غُرَّة ذي القَعْدة سنة 1399هـ الموافق 23 سبتمبر 1979م مُفَكِّرًا إسلاميًّا عالَميًّا فذًّا، قلَّما يتكرَّر مثله في الأمم، ذلكم هو الأستاذ أبو الأعلى المودودي، مُؤسِّس «الجماعة الإسلاميَّة» في شبه القارَّة الهنديَّة، وصاحب الكتب والرسائل الَّتي تُرْجِمَتْ إلى شتَّى اللُّغَات، وسرت مسرى النور في الكثير من الأقطار، وانتفع بها الألوف والملايين من أبناء الإسلام، ورجال الحركات الإسلاميَّة في الشرق والغرب، وكانت لهم سلاحًا في معركتهم الفِكْرِيَّة مع خصوم الإسلام في الداخل، وأعدائه في الخارج، كما كانت لهم مصابيح هداية في سلوكهم الحركيِّ.
كما أثارت هذه الآثارُ الفِكْرِيَّة ـ على الجانب المقابل ـ حركةَ انتقادٍ من قِبَل أفرادٍ وجماعاتٍ هنا وهناك، اختلفت غاياتهم وطرائقهم، كما اختلفت أصولهم ومنابعهم، ولكنَّهم اتَّفقوا على معارضة فكر المودودي ودعوته، جزئيًّا أو كليًّا، وإن كان من الملاحظ أنَّ جُلَّ المنتقدين للمودودي من داخل القارَّة الهنديَّة لا من خارجها، وهذا له أسبابه كما سنشير إلى ذلك بعد، ممَّا يدلُّ على أنَّ الخلاف ليس فكريًّا خالصًا.
خصائص فكر المودودي:
ولفكر المودودي خصائص تُمَيِّزُه، وسمات تُشَخِّصه وتُحَدِّده، وإذا أردنا أن نعرف هذه الخصائص والسمات، فلا بدَّ أن نتعرَّف على الأرضيَّة الفِكْرِيَّة الَّتي سادت في الهند خاصَّة، وفي العالَم الإسلاميِّ عامَّة في تلك الفترة الَّتي برز فيها المودودي إلى مَيْدان الفكر، يجاهد بالقلم، ويُحارب بالمنطق، وينازل الأقران والخصوم بالحُجَّة والبيان. وذلك منذ أواخر النصف الأوَّل من القرن الرابع عشر الهجري، وأوائل الربع الثاني من القرن العشرين الميلادي.