ولا يرتاب مسلمٌ دارس في إمامة المودودي وعبقريَّته، في فكره الإسلامي الرحْب، الَّذي تناول فيه قضايا الإسلام، من تفسيرٍ ختم فيه القرآن الكريم، ومن دراسةٍ للسُّنَّة، وردٍّ على الَّذين زعموا أنفسهم قرآنيِّين، بدعوى أنَّهم يُهملون حديثَ رسول الله ﷺ ، الَّذي روته الأُمَّة وخدمته وأقامت لخدمته تسعين عِلْمًا من علوم الحديث، وقامت مكتبةٌ ضخمةٌ لهذه العلوم، عكف عليها العلماء.
واشتغل الأستاذ المودودي بكلِّ القضايا الَّتي تهمُّ الأُمَّة المسلمة في كلِّ جوانب الحياة: حياة الفرد، وحياة الأسرة، وحياة المجتمع، وحياة الأُمَّة، وحياة الدولة، والعلاقات بالعالَم كلِّه على اختلاف توجُّهاته، فكتب في: العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والتشريع، والاقتصاد، والسياسة، والتاريخ، وكلِّ شؤون الحياة، ونقد كلَّ المخالفين للرسالة الإسلاميَّة، والحضارة الإسلاميَّة، والشريعة الإسلاميَّة.
كان المودودي في كلِّ ما كتب الفارس المغوار، والصارم البتَّار، يقول ما يعتقد، ويُعلن عمَّا يقتنع به ويؤمن بأنَّه الحقُّ، لا يخاف في الله لومةَ لائم، ولا صولةَ ظالم، من العِلمانيِّين أو المُقلِّدين أو المتغرِّبين أو الطاغين.
وفكره تقرؤه الأُمَّة كلُّها من أقصاها إلى أدناها، وقد قرأناه، أو قرأنا أكثره منذ كنَّا شبابًا، وأُعْجِبنا به وبخصوبته، وأصالته وبروزه، وإن كُنَّا نُخالفه في بعض جزئيَّاته. وهذا ما يجب على المُفَكِّرين الإسلاميِّين الأحرار المخلصين، أنْ يأخذ بعضُهم من بعض، وألَّا يستنكف بعضُهم من نقد بعض، فالعصمة إنَّما هي لرسول الله ﷺ ، وكلُّ أحدٍ يؤخذ من كلامه ويُتْرَك إلَّا الرسول الكريم، فهو الَّذي لا ينطق عن الهوى.
ولا يفوتني أنْ أشكر ابنَنا الحبيبَ وأخانا الكريم تلميذ الإمام أبي الأعلى المودودي وتلميذنا الدكتور عبد الغفَّار عَزِيز، مدير قسم الشؤون الخارجيَّة في الجماعة الإسلاميَّة، الَّذي أرسلت إليه هذا البحث لقراءته، فأشار ببعض التعديلات اعتمدتُها، ودلَّنا على بعض المواضع من كتب الإمام، فشكر اللهُ له، ولكلِّ من ساهم في خدمة هذا الكتاب ونشره.