ما أُقدِّمه اليوم إنَّما هو ذكريات وخواطر وأفكار، تحاول أنْ تُقَدِّم صورة للشيخ الإمام، صادرة من معرفتي به، ومعايشتي له، وقراءتي وسماعي له، نحو نصف قرن من الزمان.
أجلْ، لستُ أؤرِّخ للغزالي، فما أنا بالمؤرِّخ، ولكنِّي أشير إلى ملامح من حياته وسيرته، عرفتها عن معايشةٍ وقُرْب، ولا أزعم أنِّي رسمتُ له صورة بيِّنة الملامح، فما أنا ممَّن يحسن الرسم.
وربَّما قيل: إنَّك تكتب بقلم المحبِّ لا بقلم الناقد، وأنا أشهد أنِّي أحبُّ الغزالي، وأتقرَّب إلى الله بحُبِّه، ولكنِّي لم أعْدُ الحقَّ فيما خطَّ قلمي، ولا ينبغي أنْ يغمط الإنسان من يحبُّ، فرارًا من أنْ يُتَّهم بالتحيُّز، فالعدل يحكم القريب والبعيد، والصديق والعدوَّ، ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ﴾ .
وإنِّي لأنكر على الإسلاميِّين أنَّهم لا يُعْطُون مُفَكِّريهم وعلماءهم وأدباءهم ما يستحقُّون من تكريم وتقديرٍ يُنْزِلُهم منازلَهم، في حين يصنع العِلمانيُّون والماركسيُّون هالات مكبَّرة حول رجالاتهم، حتَّى يجعلوا من الحبَّة قُبَّة، ومن القطِّ جملًا! وصدق فيهم قول الشاعر:
وبقيتُ في خَلَف يُزَيِّن بَعْضُهم
بعضًا لِيَدْفَعَ مُعْوِرٌ عن مُعْوِرِ(1)!
وإذا قيل: إنَّك تنظر إلى الشيخ بعين الرضا، وعين الرضا لا تُبْصِر العيوب، فحَسْبي أنْ أقول: إنِّي لا أزعم أنَّ الغزالي مبرَّأ من العيوب، فما هو بالملَك المطهَّر، ولا بالنبيِّ المعصوم، إنَّما هو بشرٌ يخطئ كما يخطئ البشر، ويصيب كما يصيب البشَر، ولكنَّ أخطاءه وزلَّاته مغمورة في محيط حسناته وميزاته.