وَلِيَ عمرُ الخلافة فملأ الأرض عدلًا بعدما مُلئت جورًا، وعمَّا قليلٍ سوف نقرأ في هذه الرسالة تفصيلَ ذلك، ولكنَّنا نشير في هذه المقدِّمة إلى عدَّة نقاطٍ منها ثناء النَّاس عليه واحترامهم له بعد وفاته 3 ، ومن ذلك ما يروى أنَّه جاء رجلٌ إلى هشام بن عبد الملك فقال: «يا أمير المؤمنين، إنَّ عبد الملك أقطع جَدِّي قطيعة، فأقرَّها الوليد وسليمان، حتَّى إذا استخلف عمر 5 نزعها»، فقال له هشام: «أعد مقالتك»، فأعادها مثل ما قال، فقال هشام: «والله إنَّ فيك لعجبًا إنَّك تذكر من أقطع جَدَّك القطيعة، ومن أقرَّها فلا تترحم عليه، وتذكر من نزعها فتترحم عليه! وإنَّا قد أمضينا ما صنع عمر رحمة الله عليه»(1). وهذا يدلُّ على مكانة عمر في نفوس النَّاس وشيوع احترامه فيهم، ولو كان غير ذلك لما ترحَّم عليه مثل هذا الرجل.
ومنها: تلك الشهادة من بني أُمَيَّة على لسان ابن عمِّه مَسْلَمة بن عبد الملك، وبنو أُمَيَّة هم أهله الَّذين بدأ بهم من بين النَّاس عدله وحكمه الراشد فشدَّد عليهم وردَّ أموالَهم إلى بيت المال كما سيأتي، قال مَسْلَمة لعمر: «رحمك الله، لقد ليَّنتَ مِنَّا قلوبًا كانت قاسية، وزرعت في قلوب النَّاس لنا مودَّة، وأبقيت لنا في الصالحين ذِكْرًا»(2)، وهي شهادة تدلُّ على الإنصاف في ذلك الوقت الَّذي عزَّ فيه الإنصاف من قبل بني أُمَيَّة وهم من سَقَوا أبا حفص ـ وهذه كنية عمر بن عبد العزيز ـ السمَّ.