فإذا مات الأنبياء لم تمُتْ رسالتهم، ولم تنتهِ مهمَّتهم، بل يقوم بها من بعدهم خلفاؤهم وورثتهم، الَّذين يحملون مشاعل النور، ومصابيح الهداية للنَّاس، حتَّى لا تندرس معالم النبوَّة الهادية، وحتَّى تظلَّ حُجَّة الله قائمةً على النَّاس، ﴿ قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ ﴾ .
ومن هنا قال رسولُ الإسلام ﷺ : «العلماءُ ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر»(1).
قال الإمام الغزالي: ومعلومٌ أنَّه لا رُتبة فوق رتبة النبوَّة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة.
وفي هذا الحديث قال ﷺ : «إنَّ الله وملائكته، وأهل السماوات والأرض، وحتَّى النملة في جُحرها، وحتَّى الحوت ليُصَلُّون على معلم النَّاس الخير»(2).
لا سيَّما «العلماء الربَّانيِّين» وهم الَّذين يتجسد علمهم خلقًا وسلوكًا يوجِّه حياتهم، ويصبغ علاقتهم بالله، وعلاقتهم بالناس، ثمَّ هم يقتدون بالرسل في تعليم النَّاس ما علَّمهم الله، ودعوتهم إلى طريق الله، وصبرهم على ما أصابهم في سبيل الله؛ فالربَّاني الحق هو الَّذي يعْلم ويعمل ويعلِّم، كما أشار إلى ذلك القرآن بقوله: ﴿ وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ .