هذه المسرحيَّة جديدةٌ قديمة، جديدةٌ في صورتها هذه، قديمةٌ في موضوعها نَفْسِه.
فقد كنتُ كتبتُها بشكلٍ آخر منذ سبعة عشر عامًا، وقُدِّر لها أنْ تُمثَّل وأنْ تَلقى نجاحًا وقَبولًا حسنًا، ثمَّ قدِّر لها أنْ تضيع مِنِّي فلا أجدَها. وهنا تعود بي الذاكرة إلى سنة 1949م، إذ كنتُ أحد الطلاب الَّذين اختطفتهم «كلاب الصيد» وألقت بنا في بطون المعتقلات ما بين «هايكستب» و«جبل الطور» من أراضي مصر، وما نقموا مِنَّا إلَّا أنَّنا ندعو إلى الإسلام الصحيح: دينًا ودولةً، عبادةً وقيادةً، صلاةً وجهادًا، مصحفًا وسيفًا.
وفي معتقل «هايكستب» في الصحراء كنتُ أقرأُ في كتب الأدب والتاريخ، فكان ممَّا راقني وأثَّر في نفسي موقف سَعِيد بن جُبَيْر العالم الفقيه الشجاع، من الطاغية المتجبِّر الحجَّاج بن يوسف. وكان لي شغفٌ بالأدب المسرحي حينذاك، حتَّى إِنَّني ألَّفت ـ وأنا طالب بالصف الأوَّل الثانوي ـ مسرحيَّة شعريَّة، عُنوانها «يوسف الصِّدِّيق». ولهذا رأيت قصَّة سعيد مع الحجَّاج صالحةً لأن تكون مسرحيَّة ذات هدفٍ ورسالة، وخاصَّة أنَّنا كُنَّا نصارع طغيانًا كطغيان الحجَّاج، فما أحوجنا إلى مواقفَ كموقف سعيد! وكتبت المسرحيَّة، ومُثِّلت في معتقل الطُّور، وضاعت أخيرًا.
مـقـدمــة