وسبحان مقلِّب القلوب، فمنذ وقت قريب شرح الله صدري للكتابة، وقلتُ: أبدأ على بركة الله، معتمدًا على ما أستيقنُه ممَّا أتذكره، وما لم أستيقنه أستبعده أو أذكره على التشكيك، أداءً للأمانة، محاولًا أن أكون موضوعيًّا ما استطعت؛ لأنِّي أكتب سيرة ذاتيَّة، فكيف يكون الذاتي موضوعيًّا؟ وكيف يكون الإنسان محايدًا مع نفسه؟
هذا يحتاج إلى نفسٍ انتصرت على هواها، واستعلت على رغباتها، وفنيت عن ذاتها. وأنا لا أدَّعي أنِّي وصلت إلى هذه الدرجة، ولكنِّي سأجتهد ما استطعتُ أن أقول الحقَّ، وأتحرَّى الصدق، وأكون قوَّامًا بالقسط، شهيدًا لله ولو على نفْسِي، وألَّا يَجْرِمَنِّي شنآنُ قومٍ على ألَّا أعدل، مستعينًا بالله تعالى، معتصمًا بحبله، لائذًا بجنابه، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.
وسيجد القارئ الكريم الجزء الأوَّل من حياتي أكثر إسهابًا من الأجزاء الأخرى؛ لأنِّي أتذكر هذا الجزء بتفاصيله جيدًا، بخلاف الأجزاء الأخيرة، برغم قرب زمانها، ولكنَّ الذاكرة في الأخير قد شاخت، ولم تعُد كما كانت في الزمن الماضي.
كما أنِّي أحاول أن أركِّز على الإيجابيات، لتحسن القدوة بها والأسوة فيها. ومع هذا لا أُغْفِل السلبيَّات، بل أذكرها لنأخذ منها العِبْرة، ولئلَّا نقع في مثلها، ولكي نكون منصفين مع أنفسنا، ومع الأجيال القادمة بعدنا، فإنَّما نحن بشَرٌ غير معصومين، نجتهد في خدمة الإسلام، ونصرة قضاياه. وربَّما كان اجتهادنا خاطئًا، ومع هذا فنحن معذورون، بل مأجورون أجرًا واحدًا، كما صحَّ في الحديث. فلا يَضُرُّنا أن نعمل ونخطئ، بل يضرنا أن نتقاعس ونقعد، وقد رفع الله الجناح عن المخطئين، ولم يرفعه عن القاعدين. قال تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ ﴾ .