أوَّلًا: أنَّ كتابة السيرة والمسيرة إنَّما هي من الحديث عن النفس، والحديث عن النفس لا بدَّ أن يتضمَّن لونًا ما من تزكية النفس، وتمجيد الذات، وتزيينها في أعين القُرَّاء، وهو أمر مذموم شرعًا وخُلُقًا. والله تعالى يقول: ﴿ فَلَا تُزَكُّوٓا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ ﴾ ، ويتحدث عن اليهود في معرض الذم فيقول: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ .
وقد سئل أحد الحكماء: ما الصِّدقُ القبيح؟ فقال: ثناء المرء على نفسه. أي وإن كان ثناؤه في ذاته حقًّا وصِدْقًا.
إنَّ كلمة «أنا» حين تصدر من المخلوق: كلمةٌ بغيضة، وأول من قالها شرُّ الخلق: إبليس. قالها في معرض الرفض والتحدي والاستكبار، حين أمره الله بالسجود لآدم، فأبى واستكبر، وقال: ﴿ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍ ﴾ .
كانت «أنا» الإبليسيَّة أوَّل كلمة في تمجيد الذات عبَّر بها مخلوق شرير عن نفسه أمام ربِّه. مع أنَّه اعتراف بخلقه له: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدُونِ ﴾ ، وقوله تعالى لنبيه وكليمه موسى: ﴿ وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰٓ 13 إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ 14 ﴾ .