ولهذا كان الملحدون ـ المنكرون لوجود الله ـ قِلَّة لا وزن لهم على مدار التاريخ، وإنما كان الشرك هو الآفة التي أصابت البشرية من قديم، ولهذا بعث الله رسله للدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك، لا محاربة الإلحاد، كان النداء الأول لدى رسل الله: ﴿ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُۥٓ ﴾ .
وكان كثير من إلحاد الملحدين: إلحاد بطن وفرج، لا إلحاد عقل وفكر ـ كما قال شيخنا د. عبد الحليم محمود ـ أي: إنهم تحلَّلوا واتبعوا الشهوات، فأرادوا أن يبرِّروا انحلالهم، فأنكروا وجود الإله الذي يُلزمهم باجتناب المحرمات، وعمل الصالحات، ويحاسبهم على ما فعلوا، ويجزيهم ثوابًا وعقابًا.
الإيمان الدِّيني فطرة عامة في البشر، والإلحاد هو الشذوذ الذي يُثبت القاعدة، حتى قال أحد ملاحدة العرب المعروفين في عصرنا: لا تصدِّقوني إذا كتبتُ أو قلتُ: إني ملحد ! فالحقائق الكبيرة لا تبطلها الألفاظ، إن إيماني يساوي وجودي، أنا مؤمن، إذن أنا موجود(1) !
وذكر الأديب المعروف الأستاذ أحمد أمين في بعض ما كتبه: أن أحد المصريِّين سافر إلى أوروبا، ثم عاد إلى قريته، فقال للناس: أنا ملحد ! فقالوا له: لا نصدق أنَّك ملحد. فقال: أقسم بالله العظيم: إني ملحد !
والدِّين ـ من الناحية الأخلاقية ـ ضروري للإنسان، فهو الذي يمنحه «الحوافز» التي تدفعه إلى الخير، وإن لم يكن من ورائه نفع مادي أو شخصي عاجل له، فهو يفعل الخير لإرضاء ربه، وتحصيل مثوبته، ودخول جنته. كما أن الدين يمنحه «الروادع» التي تردع الإنسان عن اقتراف الشر والرذيلة، وارتكاب الجريمة بأنواعها، خشية حساب الله تعالى، وعقابه في الدنيا والآخرة، ورجاء ثوابه في الدارين أيضًا.