وأمَّا التخصص الآخر، فيُسمَّى: «تخصُّص المهنة». وكان في الأزهر ثلاث تخصُّصات للمهنة، تخصُّص تنفرد به كُلِّيَّة الشريعة، وهو «تخصُّص القضاء»، وهو الَّذي يُعِد القضاة الشَّرعيِّين بما يلزمهم من دراسات معينة في أصول القضاء والمرافعات والإجراءات والإثبات ونحوها.
وتخصُّص تنفرد به كُلِّيَّة أصول الدِّين، وهو تخصص «الدعوة والإرشاد»، ومهمَّته تخريج وعَّاظ وخطباء مساجد، مؤهَّلين للدعوة والخطابة، دراسين لفنونها ووسائلها.
وتخصُّص ثالث تشترك فيه الكُلِّيَّات الثلاث، وإن كان ـ إداريًّا ـ تابعًا لكُلِّيَّة اللغة العربيَّة، وهو: تخصُّص التدريس. ومهمَّته إعداد مدرس علوم الدِّين أو اللغة العربيَّة، وتأهيله بما يلزمه من أصول التربية ووسائلها وطرق التدريس العامَّة والخاصَّة.
كان أمامي ـ وقد تخرجت في كُلِّيَّة أصول الدِّين ـ إذن تخصصان عليَّ أن أختار أحدهما: الأوَّل: وهو تخصُّص الدعوة والإرشاد. والآخر: هو تخصُّص التدريس.
ولم أتردَّد في اختيار الثاني، رغم إلحاح بعض الأصدقاء، أن ألتحق بتخصُّص الدعوة والإرشاد؛ لأنَّها أصبحت وظيفتي الأولى، وقد عُرِفْتُ بها، وبرعت فيها، فأولى بي أن أتخصَّص فيها.
بيد أنَّ لي وجهة أخرى أكننتُها في نفسي، فقد كانت فكرتي أن يكون التدريس هو مهنتي الَّتي أتعيَّش من ورائها، وأن أقوم بالدعوة محتسبًا متطوِّعًا، هذه هي الفكرة الَّتي غلبتْ عليَّ.