وسيرى القارئ الكريم كيف وفَّقنا الله سبحانه، لنواجه الحياة بوَرْدها وشوكها، وحُلوها ومُرِّها، وسرَّائها وضرَّائها. سعدنا بالورد، وحمدنا الله عليه، وصبرنا على الشوك، واحتسبنا ما أصابنا من أذاه عند الله، الَّذي لا يضيع عنده عملُ عامل، ولا يظلم مثقالَ ذرة. وقد روى صُهَيْب عن النبيِّ ﷺ : «عجبًا لأمر المؤمن! إنَّ أمرَه كلَّه له خير، وليس ذلك إلَّا للمؤمن: إنْ أصابتْه سرَّاءُ شَكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له» رواه مسلم(1).
وقد لا يعلم كثيرون أنَّ للابتلاء حلاوةً لا يتذوَّقُها إلَّا المؤمنون، وأنَّ في الصبر لذَّةً لا ينعم بها إلَّا العارفون ﴿ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوٓا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ ﴾ .
لقد عانينا ما عانينا في أتون السجن الحربي، وعانينا ما عانينا بعد خروجنا في سبيل كسب العيش الحلال، وقد سدُّوا في وجوهنا كلَّ الأبواب، ولكنَّ هناك بابًا لا يستطيعون أن يُغلقوه أبدًا، وهو باب فضل الله تعالى ورحمته، الَّذي لا يسدُّ أبدًا في وجه أحد.
أخي القارئ، هذه سِيرتي عرضتُها عليك كما وقعتْ بدون تكلُّف، فما رأيتَه من خيرٍ وفضلٍ وحُسن عمل، فهو من صنع الله لي، الَّذي غمرني بإحسانه وعطائه من قرني إلى قدميَّ، فالحمد لله الَّذي هداني لهذا، وما كُنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأسأله تعالى أن يجعل قولي وعملي ونيَّتي خالصة لوجهه.
وما وجدتَ فيها من قصورٍ أو تقصير، أو شرودٍ عن الحقِّ، فهو منِّي ومن الشيطان، والله ورسوله بريء منه، ولا أقولُ إلَّا ما قالت امرأة العزيز: ﴿ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ ۚ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ .