وقام الاتِّحاد الأوربي، وأصبح حقيقة واقعة، على حين بقي العرب والمسلمون شراذم، وقد تفرقوا شيعًا وأحزابًا، كلُّ حزب بما لديهم فرحون.
وقد تميَّزت هذه السنوات بأمرين لهما أهميَّة قصوى في حياتي:
الأوَّل: الانتشار الكبير لي في أنحاء العالم في الشرق والغرب، وزيارة كلِّ قارات العالم، حتَّى أستراليا وأمريكا الجنوبيَّة، حتَّى سمَّاني بعض الزملاء في ذلك الوقت: الشيخ الطائر. والحقيقة أنِّي كنتُ دائم الأسفار والتجوال من بلد إلى آخر، فلا أكاد يستقبلني أهلي إلَّا وهم يستعدُّون لوداعي.
والثاني: ظهور المدِّ الإسلامي ـ أو الصحوة الإسلاميَّة ـ بقوَّة في تلك المرحلة، وقد كنتُ أعتبر هذه الصحوة جزءًا مِنِّي، كأنَّما هي ولدي وفِلْذة كبدي، وكنت حريصًا أبلغ الحرص على حسن نمائها: إيمانيًّا وفكريًّا وخلقيًّا، وألَّا تُغذَّى بأغذية ضارَّة أو ملوَّثة، وأن يقود زمامها من يملكون الحكمة والبصيرة، إلى جانب التقوى والأمانة، وكنت أقول دائمًا: أخشى على الصحوة أن تتآكل من الداخل، قبل أن تُضْرَب من الخارج.
ومن خلال هذه المذكِّرات سيمرُّ القارئ بمعظم أحداث العصر في منطقتنا العربيَّة والإسلاميَّة، بحكم أنِّي أعيش في قلب هذه المنطقة، وقلب هذه الأحداث، وقد قُدِّر لي في هذه المرحلة أن أتفاعل بها ومعها متأثِّرًا ومؤثِّرًا، ولذلك يصعب أن تفصل ما هو شخصي عمَّا هو عامٌّ. فقد كُنَّا نعيش هموم الأُمَّة وآلامها وآمالها، عليها نُمسي ونصبح، وننام ونستيقظ، ونسكن ونتحرك.
وأريد أن أستسمح القارئ الكريم لهذا الجزء من المُذَكِّرات إذا وجد خطأً في بعض التواريخ، فكلُّ اعتمادي فيها على الذاكرة، ولم أكتب فيها صفحة واحدة إلَّا ما كان من رسائل أو نحو ذلك، والذاكرة تصيب وتخطئ، فكيف بها إذا شاخت؟