ما بين بدء الثورة وانتصارها أحداثٌ عظام، ومواقفُ كبيرة، وأرواحُ شهداءَ وجراحاتٌ، وخسائرُ ومكاسب، يعرفها الَّذين عاشوها وخاضوها، وقد ينكرها من لم يُعايشْها ولم يُمارسها، وإنَّما تَفَرَّج عليها من بعيد، وما أعظم الفرق بين المُتَفَرِّج والَّذي يعيش في قلب الحدث ويتحمَّل أعباءه في الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفَّس، كانت هناك ثمانيةَ عشرَ يومًا، هي عمر الثورة المصريَّة الشعبيَّة الكبرى، حين ولدت في 25 يناير 2011م وحتَّى انتهت، وآذن فجرُها في منتصف ليلة 12 فبراير 2011م.
لم تكن ثورةُ شعب مصر مجرَّد مناوشة ومهاوشة، بل كانت مدرسةً جامعة مُعَلِّمة بكلِّ ما فيها، وبكلِّ من فيها، ورأى النَّاس في ساحاتها من دروس التربية، ومعالم التوجيه، وروائع الإيمان، ومكارم الأخلاق، وروائع التسامح، ما أصبح وحده تاريخًا عظيمًا جديدًا يُدرَّس للأجيال الحاضرة والقادمة.
ثالثها: تقديم فقه الثورة للأُمَّة:
انتهاز هذه الفرصة لتقديم «فقه الثورة» أو «فقه الثورات» للأُمَّة، من خلال هذه التجربة العمليَّة، الَّتي دخل فيها بعض مشايخ الدِّين، دخولًا كاد يُضَلِّل شباب الثورة عن طريقهم الصحيح، حين زعموا أنَّهم ﴿ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ ، وأنَّهم أيقظوا الفتنة النائمة، ولعن الله مَن أيقظها، وأنَّهم وقفوا ضدَّ الشرعيَّة، وأنَّهم يدعون إلى الفوضى وعدم الاستقرار، وأنَّهم... وأنَّهم... لولا أنَّ الله ألهمنا أن نرُدَّ هذه المتشابِهات بالمُحْكمات البَيِّنات. والحقُّ أبلجُ والباطلُ لَجْلَج، ﴿ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ ﴾ .