كما أنَّ هذا التوثيق مهمٌّ لي أنا شخصيًّا، فقد أنسى هذه المواقف وتختلط في ذاكرتي، وتضيع معالمها، فمن الخير أن أُسَجِّلها مجتمعة.
ولقد أتيح لي في زيارتي لمصر لجمعة النصر أن ألتقي ببضعةَ عشرَ شابًّا، ممَّنْ شاركوا في صنع الثورة من أوَّل يوم، إلى أن حقَّق الله النصر، وقد زاروني في منزلي، وحدَّثوني بصراحةٍ وصدقٍ كيف مرَّت عليهم ساعات كاد يُصيبهم الإحباط، وكيف كانت كلماتي وبياناتي وخطبي وأدعيتي ومواقفي تمدُّهم بعزائمَ ونفحاتٍ وبيِّنات، تشدُّ أَزْرَهم، وتسند ظَهْرَهم، وتُقَوِّي حُجَجَهم، وتفتح لهم أبواب الأمل والرجاء.
وممَّا ذكروه لي ما رأوه بأعينهم في يوم الجمعة، الَّذي أعلنتُ قبله فتواي بفرضيَّة ذهاب كلِّ مسلم لا عذر له إلى مَيْدان التحرير، لمساندة إخوانه هناك، وتقوية ظهورهم، بعد الفتاوى الشهيرة الَّتي حاولت صرف النَّاس من حولهم، وصدَّ الشباب عنهم، وكيف شاهدوا أثر تلك الفتوى، منذ الليل يأتيهم النَّاس من كلِّ فجٍّ عميق، حتَّى صلاة الجمعة، وكان هذا فتحًا من الله انجلت به غشاوة الإحباط والقنوط.
وفي يوم الجمعة 11 فبراير ـ وقد أصاب النَّاس اليأس بعد خطاب مبارك ـ حين شاهدنا وسمعنا خطبتك في الشاشات الموزَّعة في المَيْدان، وأنت تقسم إنَّ الثورة منتصرة، ﴿ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ 172 وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ 173 ﴾ ، دخل علينا يقين أنَّ الثورة غالبة.
قالوا: ولا زلنا نذكر أوَّل خطاب لك لمبارك في أوائل الثورة، وأنت تقول له بكلِّ قوَّة: ارحلْ يا مبارك على رجليْك، قبل أن يُجبرك الشعب على الرحيل رغم أنفك.