وفي عهد أبي بكرٍ استمرَّت المواجهة، وكانت موقعة «اليرموك» الشهيرة، وفتح بلاد الشام وفِلَسْطِين، ثُمَّ مصر وشمال أفريقيا، وهذه الفتوح والانتصارات كلُّها على حساب إمبراطوريَّة الروم البيزنطيَّة، وقد أصبحت هذه البلاد جزءًا أصيلًا وعزيزًا من قلب ديار الإسلام، وقد كانت من قبل نصرانيَّة الديانة.
وكثيرًا ما مرَّت فترات طويلة من السلام والسكون والمهادنة بين الطرفين، لا يعكرها إلَّا بعض المناوشات على الحدود.
ولكن الحدث الكبير الَّذي حرَّك السواكن، وهيَّج الكوامن، وأثار الشجون، هو الحروب الَّتي بدأها الغرب بحملات متتالية للهجوم على الشَّرْق الإسلامي، مُسْتَغِلِّين ما أصاب أهله من فُرقة وتشرذم، نتيجة لما أصابهم من جهلٍ وغفلة، ومن انحرافٍ دينيٍّ، وفسادٍ أخلاقي، فكانت الحروب الشهيرة الَّتي عرفت عند مؤرِّخي المسلمين باسم «حروب الفرنجة» وعند الغربيِّين باسم «الحروب الصليبيَّة»!
وقد وقع من الغربيِّين في هذه الحروب من سفك الدماء، وهتك الأعراض، واستباحة المُقدَّسات والمحرمات، ما يندى له الجبين، وما تقشعر من ذكره الجلود، ولا سيَّما في معركة الاستيلاء على بيت المقدس، الَّتي جرت فيها الدماء للركب حقيقة لا مجازًا!
وانتهت هذه الحروب المؤسفة بانتصار المسلمين في النهاية، واستردادهم بلادهم، ورد الغزاة الطغاة على أعقابهم، بعد معارك حاسمة في حِطِّين وفتح بيت المقدس ودِمْياط والمنصورة، وغيرها. وقد بقيت في النفوس مرارات لا تزول بسهولة.
ثم جاء عصر الاستعمار، ودخل الغرب بلاد الإسلام مرَّة أخرى، أخذًا بثأره من نكسة الحروب الصليبيَّة القديمة، فقال قائدهم الإنجليزي «اللنبي» الَّذي دخل القدس سنة 1917م: اليوم انتهت الحروب الصليبيَّة! وقال القائد الفرنسي «غورو» أمام قبر صلاح الدِّين في دمشق: ها قد عدنا يا صلاح الدين!