فالإسلام يحمل في طبيعته القدرة على التجدُّد والنماء، بما أودع الله فيه من خصائص، فهذا الدِّين لا يمكن أنْ تنطفئ جذوته، ولا أنْ يخبو نوره أبدًا ﴿ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ ﴾ . هو بطبيعته يبعث على الصحوة واليقظة، وإذا نام المسلمون يومًا، فلا بدَّ أنْ يوقظهم الإسلام، وأنْ يهيئ الله لهم من يجدد لهم دينهم، كما في الحديث الصحيح: «إنَّ الله يبعث لهذه الأُمَّة على رأس كلِّ مائة سنةٍ مَنْ يُجدِّد لها دِينِها»(1). ولا يمكن أن تجتمع هذه الأُمَّة على ضلالة، سُنَّة الله ولن تجد لسُنَّة الله تبديلًا، قد يضلُّ الضالُّون ويتيه التائهون، ولكن تبقى تلك الفئة القائمة على الحقِّ، لا يضرُّها من خالفها، حتَّى يأتي أمر الله، كما صحَّت بذلك الأحاديث عن رسول الله ﷺ : أنَّه لا تزال طائفة من هذه الأُمَّة قائمة على أمر الله، قائمة على الحقِّ تدعو إليه وتنادي به، وتقاتل عليه، حتَّى يأتـي أمر الله وهـم علـى ذلك، وصـدق الله العظيـم إذ يقول: ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِۦ يَعْدِلُونَ ﴾ ، ﴿ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰٓؤُلَآءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَـٰفِرِينَ ﴾ ، طبيعة الأُمَّة الإسلاميَّة ألَّا تجتمع على ضلالة وأنْ يظلَّ فيها الدُّعاة والهُداة يوقظونها من سُبَاتٍ ويُحْيُونها من ممات، ولا تخلو الأرض من قائم لله بالحُجَّة، وصدق شوقي حين قال:
إنَّ الَّذِي خَلَقَ الحَقِيقَةَ عَلْقَمًا
لم يُخْلِ مِنْ أَهْلِ الحَقِيقَةِ جِيلًا(2)
وهذا ما أثبته التاريخ الإسلامي على طول مداه: أنَّه كلَّما حدث رکود أو نوم، في فترة من الفترات، جاء من المُجَدِّدين ومن المُصْلحين، من يوقظ هذه الأُمَّة على طَوَال التاريخ، فقد جاء المُجَدِّدون في العصور الأخيرة، من مُحَمَّد بن عبد الوهَّاب وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس؛ الَّذين أيقظوا الأُمَّة حتَّى انتشرت الحركات الإسلاميَّة في كل مكان. وكانت هذه الصحوة الَّتي نشهد آثارها اليوم، والَّتي عقد هذا الملتقى من أجلها، ومن أجل ترشيدها، وتسديد خُطاها، وتقويتها، والعمل على توسيع آفاقها، وانتشارها، واستمرارها أيضًا، حتَّى تُؤتي أُكُلها بإذن ربِّها.
٭ النصر: هناك من عارض القول بأنَّ هناك صحوة إسلاميَّة حقيقيَّة بارزة للعيان، مع أنَّ الكثير من العلماء يرى غير ذلك، كيف تردُّون على هؤلاء؟
ـ الدكتور القرضاوي: الصحوة موجودة ولا شكَّ وهي ظاهرة اجتماعيَّة حقيقيَّة ملموسة، تُجَسِّد الاتِّجاه بقوَّة إلى الإسلام، إلى الإيمان بالإسلام عقيدة ومنهجًا للحياة، والدعوة إلى الإسلام والعمل به، فهي فكرةٌ وفهمٌ وإيمانٌ وسلوك. قد كان هناك المُتَدَيِّنون تديُّنًا فرديًّا في أنفسهم، ولكن الصحوة ليست مُجَرَّد تديُّن فردي، إنَّه تديُّنًا مع دعوة إلى الإسلام باعتباره نظامًا للحياة، هذا هو ما تُؤَكِّده هذه الصحوة، وأثرها مشهودٌ في كل الميادين.