ولم يكن هذا شأني وحدي، فإنَّ كلَّ من عرف حسن البنَّا أعجب به إعجابًا كبيرًا، وكلما زادت معرفته به بالاختلاط والمعاشرة ازداد إعجابًا به، وحبًّا له، كما لمستُ ذلك من كثيرين من شيوخ الدعوة وشبابها: البَهِيّ الخولي، ومُحَمَّد الغزالي، وسيِّد سابق، وعبد العزيز كامل، وفريد عبد الخالق، وعمر التلمساني، ومصطفى مشهور، وعباس السيسي، وغيرهم.
ومن لم يعرف حسن البنَّا عن طريق المعايشة والمخالطة عرفه عن طريق أثره الفكري والتربوي والتنظيمي، وهذا ما جعل الشهيد سيِّد قُطْب يصفه بـ «عبقريَّة البناء» حين شاهد هذه المجموعة الهائلة من الترتيبات والأبنية والنظم التربويَّة والحركيَّة الَّتي ابتكرها هذا الرجل «المُلْهَم الموهوب» كما سمَّاه المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني 5 .
والَّذي يُهِمُّنا هنا أنِّي وَعَيْتُ ما كتبه الشهيد البنَّا، وقرأتُ تقريبًا كلَّ ما عثرتُ عليه من تراثه، وإن كان ممَّا يُؤْسَفُ له أنَّ هذا التراث إلى اليوم لم يُنْشَر في صورة «مجموعة أعمال كاملة» كما حدث ذلك لأمثال جمال الدين الأفغاني، والشيخ مُحَمَّد عبده، والشيخ رفاعة الطهطاوي، وغيرهم(1).
وكان ممَّا شدَّني وبهرني من تراث الإمام البنَّا: رسالته الفريدة المركزة الَّتي أرسى بها دعائم العمل الحركي الجماعي، وهي: «رسالة التعاليم» الَّتي وجَّهها إلى «الإخوان العاملين» من الإخوان المسلمين، وقال في مُقَدِّمتها: «أمَّا بعد، فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، الَّذين آمنوا بسُمُوِّ دعوتهم، وقدسيَّة فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجِّه هذه الكلمات الموجَزة، وهي ليست «دروسًا تُحْفَظ» لكنَّها «تعليمات تُنَفَّذ».